" صفحة رقم ٥٩٤ "
َ إِذْ جَاءكُمْ ( بعد أن صممتم على الدخول في الإيمان وصحّت نياتكم في اختياره ؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلال على الهدى وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهي، فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا. فإن قلت : إذ وإذا من الظروف اللازمة للظرفية، فلم وقعت إذ مضافاً إليها ؟ قلت : قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره، فإضيف إليها الزمان، كما أضيف إلى الجمل في قولك : جئتك بعد إذ جاء زيد، وحينئذ، ويومئذ، وكان ذلك أوان الحجاج أمير، وحين خرج زيد. لما أنكر المستكبرون بقولهم :) أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ ( أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم :) بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ ( أن ذلك بكسبهم واختيارهم، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم :) بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( فأبطلوا بإضرابهم، كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا، بل من جهة مكركم لنا دائباً ليلاً ونهاراً، وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد. ومعنى مكر الليل والنهار : مكركم في الليل والنهار، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه. أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي. وقرىء :( بل مكر الليل والنهار ) بالتنوين ونصب الظرفين. وبل مكرّ الليل والنهار بالرفع والنصب. أي تكرّون الإغواء مكرّاً دائباً لا تفترون عنه، فإن قلت : ما وجه الرفع والنصب ؟ قلت : هو مبتدأ أو خبر، على معنى : بل سبب مكركم أو مكرّكم أو مكركم أو مكرّكم سبب ذلك. والنصب على : بل تكرّون الإغواء مكرّ الليل والنهار. فإن قلت : لم قيل :) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ (، بغير عاطف ؛ وقيل :) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ ( ؟ قلت : لأن الذين استضعفوا مرّ أولاً كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطف على كلامهم الأوّل. فإن قلت : من صاحب الضمير في ) وَأَسَرُّواْ ( قلت : الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين، وهم الظالمون في قوله :) إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ ( ( سبأ : ٣١ ) يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين ) فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( أي في أعناقهم، فجاء بالصريح للتنويه بذمهم، وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال. وعن قتاده : أسروا الكلام بذلك بينهم. وقيل : أسروا الندامة أظهروها، وهو من الأضداد.
) وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (
سبأ :( ٣٤ ) وما أرسلنا في.....
هذه تسلية لرسول الله ( ﷺ ) مما مني به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به،