" صفحة رقم ١٩٦ "
السماوات وما فيها في يومين : في يوم الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة. وفي هذا دليل على ما ذكرت، من أنه لو قيل : في يومين في موضع أربعة أيام سواء، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان. فإن قلت : فلو قيل : خلق الأرض في يومين كاملين وقدر فيها أقواتها في يومين كاملين. أو قيل : بعد ذكر اليومين : تلك أربعة سواء ؟ قلت : الذي أورده سبحانه أخصر وأفصح وأحسن طباقاً لما عليه التنزيل من مغاصاة القرائح ومصاك الركب، ليتميز الفاضل من الناقص، والمتقدم من الناكص، وترتفع الدرجات، ويتضاعف الثواب، ) أَمْرِهَا ( ما أمر به فيها ودبره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك. أو شأنها وما يصلحها ) وَحِفْظاً ( وحفظناها حفظاً، يعني من المسترقة بالثواقب. ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى، كأنه قال : وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً.
) فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لاّنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (
فصلت :( ١٣ ) فإن أعرضوا فقل.....
) فَإِنْ أَعْرَضُواْ ( بعد ما تتلو عليهم من هذه الحجج على وحدانيته وقدرته، فحذرهم أن تصيبهم صاعقة، أي : عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة. وقرىء :( صعقة ) ( مثل ) صعقة عاد وثمود : وهي المرة من الصعق أو الصعق. يقال : صعقته الصاعقة صعقاً فصعق صعقاً، وهو من باب : فعلته ففعل ) مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( أي : أتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلاّ العتوّ والإعراض، كما حكى الله تعالى عن الشيطان :) لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ( ( الأعراف : ١٧ ) يعني لآتينهم من كل جهة، ولأعملن فيهم كل حيلة، وتقول : استدرت بفلان من كل جانب، فلم يكن لي فيه حيلة. وعن الحسن أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة ؛ لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم. وقيل : معناه إذا جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم. فإن قلت : الرسل الذين من قبلهم ومن بعدهم كيف يوصفون بأنهم جاؤهم، وكيف يخاطبونهم بقولهم :( إنا بما أرسلتم به كافرون ) ؟ قلت : قد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم،