" صفحة رقم ٢٠٠ "
الهدى، والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى، بمعنى : تحصيل البغية وحصولها، كما تقول : ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجرّدة ؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يُبق له عذراً ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها ) صَاعِقَةُ الْعَذَابِ ( داهية العذاب وقارعة العذاب. و ) الْهُونِ ( الهوان، وصف به العذاب مبالغة، أو أبدله منه، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها ( ﷺ ) وكفى به شاهداً إلاّ هذه الآية، لكفى بها حجة.
) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (

فصلت :( ١٩ ) ويوم يحشر أعداء.....


قرىء :( يحشر ) على البناء للمفعول. ونحشر بالنون وضم الشين وكسرها، ويحشر : على البناء للفاعل، أيّ : يحشر الله عزّ وجلّ ) أَعْدَاء اللَّهِ ( الكفار من الأوّلين والآخرين ) يُوزَعُونَ ( أي : يحبس أوّلهم على آخرهم، أي : يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته ؛ فإن قلت :( ما ) في قوله :) حَتَّى إِذَا مَا جَاءوهَا ( ما هي ؟ قلت : مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها : أنّ وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها. ومثله قوله تعالى :) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ ( ( يونس : ٥١ ) أي : لا بدّ لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به شهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضي إليها من المحرّمات. فإن قلت : كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق ؟ قلت : الله عزّ وجلّ ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاماً. وقيل : المراد بالجلود :


الصفحة التالية
Icon