" صفحة رقم ٢٥٠ "
) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاًّبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (
الزخرف :( ٢٦ ) وإذ قال إبراهيم.....
قرىء ( براء ) بفتح الباء وضمها. وبرىء، فبرىء وبراء، نحو كريم وكرام ؛ وبراء : مصدر كظماء، ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة، والمذكر والمؤنث. يقال : نحن البراء منك، والخلاء منك ) الَّذِى فَطَرَنِى ( فيه غير وجه : أن يكون منصوباً على أنه استثناء منقطع، كأنه قال : لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، وأن يكون مجروراً بدلاً من المجرور بمن ؛ كأنه قال : إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. فإن قلت : كيف تجعله بدلاً وليس من جنس ما يعبدون من وجهين، أحدهما : أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون. والثاني، أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة ؟ قلت : قالوا : كانوا يعبدون الله مع أوثانهم، وأن تكون ) إِلاَّ ( صفة بمعنى غير، على أن ) مَا ( في ما تعبدون موصوفة. تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله تعالى :) لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( ( الأنبياء : ٢٢ ). فإن قلت : ما معنى قوله :) سَيَهْدِينِ ( على التسويف ؟ قلت : قال مرة :) فَهُوَ يَهْدِينِ ( ( الشعراء : ٧٨ ) ومرة ) فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ( فاجمع بينهما وقدّر، كأنه قال. فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال ) وَجَعَلَهَا ( وجعل إبراهيم صلوات الله عليه كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله :( إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ) ) كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ ( في ذريته، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. ونحوه ) وَوَصَّى بِهَا إِبْراهِيمُ بَنِيهِ ( ( البقرة : ١٣٢ ) وقيل : وجعلها الله. وقرىء ( كلمة ) على التخفيف وفي عقبه كذلك، وفي عاقبه، أي : فيمن عقبه، أي : خلفه.
) بَلْ مَتَّعْتُ هَاؤُلاَءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ (
الزخرف :( ٢٩ ) بل متعت هؤلاء.....
) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَء ( يعني : أهل مكة وهم من عقب إبراهيم بالمدّ في العمر والنعمة، فاغتروا بالمهلة، وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد ) حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ ( وهو القرآن ) وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ( الرسالة واضحها بما معه من الآيات البينة، فكذبوا به وسموه ساحراً وما جاء به سحراً ولم يوجد منهم ما رجاه إبراهيم. وقرىء ( بل متعنا ) فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ ( متعت ) بفتح التاء ؟ قلت : كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله :) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( ( الزخرف : ٢٨ ) فقال : بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق، حتى


الصفحة التالية
Icon