" صفحة رقم ٢٨ "
ويعلموا جهة السلوك فضلاً عن غيره. أو لو شاء لأعماهم، فلوا أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف كما كان ذلك هجيراهم لم يستطيعوا. أو لو شاء لأعماهم، فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقاً، يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك، كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضروا به من المقاصد دون غيرها ( على مكانتهم ) وقرىء :( على مكاناتهم ) والمكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام. أي : لمسخناهم مسخاً يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضيّ ولا رجوع واختلف في المسخ، فعن ابن عباس : لمسخناهم قردة وخنازير. وقيل : حجارة. عن قتادة : لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم. وقرىء :( مضياً ) بالحركات الثلاث، فالمضيّ والمضي كالعتيّ والعتي. والمضيّ كالصبيّ.
) وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ (
يس :( ٦٨ ) ومن نعمره ننكسه.....
(ننكسه في الخلق ) نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقي من درجة إلى درجة، إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص، حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبيّ في ضعف جسده وقلة عقله وخلّوه من العلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عزّ وجلّ :) وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ( ( الحج : ٥ )، ) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( ( التين : ٥ ) وهذه دلالة على أنّ من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوّة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد : وقرىء : بكسر الكاف ( وننكسه ) و ( ننكسه ) من التنكيس والإنكاس ) أَفَلاَ يَعْقِلُونَ ( بالياء والتاء.
) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (
يس :( ٦٩ ) وما علمناه الشعر.....
كانوا يقولون لرسول الله ( ﷺ ) : شاعر، وروى أنّ القائل : عقبة بن أبي معيط، فقيل :


الصفحة التالية
Icon