" صفحة رقم ٣٣ "
وأخذ عظماً بالياً فجعل يفته بيده وهو يقول : يا محمد، أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ، قال ( ﷺ ) :( نعم ويبعثك ويدخلك جهنم ) وقيل : معنى قوله :) فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( فإذا هو بعد ما كان ماء مهيناً رجل مميز منطبق قادر على الخصام، مبين : معرب عما في نفسه فصيح، كما قال تعالى :) أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( ( الزخرف : ١٨ ). فإن قلت : لم سمى قوله :) مَن يُحىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ ( مثلاً ؟ قلت : لما دلّ عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى. أو لما فيه من التشبيه، لأن ما أنكر من قبيل ما يوصف الله بالقدرة عليه، بدليل النشأة الأولى، فإذا قيل : من يحيي العظام على طريق الإنكار لأن يكون ذلك مما يوصف الله تعالى بكونه قادراً عليه، كان تعجيزاً لله وتشبيهاً له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه. والرميم : اسم لما بلي من العظام غير صفة، كالرمة والرفات، فلا يقال : لم لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث ؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول : إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبي حنيفة فهي عندهم طاهرة، وكذلك الشعب والعصب، ويزعمون أنّ الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت، ويقولون : المراد بإحياء العظام في الآية ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حيّ حساس ) وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( يعلم كيف يخلق، لا يتعاظمه شيء من خلق المنشآت والمعادات ومن أجناسها وأنواعها وجلائلها ودقائقها. ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر، مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي ترى بها الأعراض وأكثرها من المرخ والعفار، وفي أمثالهم : في كل شجر نار. واستمجد المرخ والعفار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان، يفطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر، على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب. قالوا : ولذلك تتخذ منه كذينقات القصارين. قرىء :( الأخضر ) على اللفظ. وقرىء :( الخضراء ) على المعنى : ونحو قوله تعالى :) مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ( ( الواقعة : ٥٤ ). من قدر على خلق السماوات والأرض من عظم شأنهما فهو على خلق الأناسي أقدر، وفي معناه قوله تعالى :) لَخَلْقُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ( ( غافر : ٥٧ ). وقرىء :( يقدر )