" صفحة رقم ٣٥٨ "
وقد دلت الآية على أمرين هائلين، أحدهما : أن فيما يرتكب من يؤمن من الآثام ما يحبط عمله. والثاني : أن في آثامه ما لا يدري أنه محبط، ولعله عند الله كذلك ؛ فعلى المؤمن أن يكون في تقواه كالماشي في طريق شائك لا يزال يحترز ويتوقى ويتحفظ.
) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (
الحجرات :( ٣ ) إن الذين يغضون.....
) امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ( من قولك : امتحن فلان لأملا كذا وجرب له، ودرب للنهوض به. فهو مضطلع به غير وان عنه. والمعنى أنهم صبر على التقوى، أقوياء على احتمال مشاقها. أو وضع الامتحان موضع المعرفة ؛ لأنّ تحقق الشيء باختباره، كما يوضع الخبر موضعها، فكأنه قيل : عرف الله قلوبهم للتقوى، وتكون اللام متعلقة بمحذوف، واللام هي التي في قولك : أنت لهذا الأمر، أي كائن له ومختص به قال : أَنْتَ لَهَا أَحْمَدُ مِنْ بَيْنِ الْبَشَر
أَعَدَّاءٌ مَنْ لِلْيَعْمُلاَتِ عَلَى الْوَجَى
وهي مع معمولها منصوبة على الحال. أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، أي لتثبت وتظهر تقواها، ويعلم أنهم متقون ؛ لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها. وقيل أخلصها للتقوى. من قولهم : امتحن الذهب وفتنه، إذا أذابه فخلص إبريزه من خبشه ونقاه. وعن عمر رضي الله عنه : أذهب الشهوات عنها. والامتحان : افتعال، من محنه، وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد. قال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته. وأنشد : أَتَتْ رَذَايَا بَادِياً كِلاَلُهَا
قَدْ مَحَنَتْ وَاضْطَرَبَتْ آطَالُهَا
قيل : أنزلت في الشيخين رضي الله عنهما، لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار. وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم


الصفحة التالية
Icon