" صفحة رقم ٣٦٧ "
الحمار، فأمسك عبد الله بن أبيّ بأنفه وقال : خل سبيل حمارك فقد آذانا نتنه. فقال عبد الله بن رواحة : والله إنّ بول حماره لأطيب من مسكك وروى : حماره أفضل منك، وبول حماره أطيب من مسكك ؛ ومضى رسول الله ( ﷺ ) وطال الخوض بينهما حتى استبا وتجالدا، وجاء قوماهما وهما الأوس والخزرج، فتجالدوا بالعصي، وقيل : بالأيدي والنعال والسعف، فرجع إليهم رسول الله ( ﷺ ) وأصلح بينهم، ونزلت. وعن مقاتل : قرأها عليهم فاصطلحوا. والبغي : الاستطالة والظلم وإباء الصلح. والفيء : الرجوع، وقد سمى به الظل والغنيمة ؛ لأنّ الظل يرجع بعد نسخ الشمس، والغنيمة : ما يرجع من أموال الكفار إلى المسلمين، وعن أبي عمرو :( حتى تفيء ) بغير همز ؛ ووجهه أنّ أبا عمرو خفف الأولى من الهمزتين الملتقيتين فلطفت على الراوي تلك الخلسة فظنه قد طرحها. فإن قلت : ما وجه قوله :) اقْتَتَلُواْ ( والقياس اقتتلتا، كما قرأ ابن أبي عبلة ( أو اقتتلا ) كما قرأ عبيد بن عمير على تأويل الرهطين أو النفرين ؟ قلت : هو مما حمل على المعنى دون اللفظ ؛ لأنّ الطائفتين في معنى القوم والناس. وفي قراءة عبد الله ( حتى يفيئوا إلى أمر الله ) فإن فاؤوا فخذوا بينهم بالقسط. وحكم الفئة الباغية : وجوب قتالها ما قاتلت. وعن ابن عمر : ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدته من أمر هذه الآية إن لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل. قاله بعد أن اعتزل، فإذا كافت وقبضت عن الحرب أيديها تركت، وإذا تولت اعمل بما روى عن النبي ( ﷺ ) أنه قال :
( ١٠٦٧ ) ( يا ابن أم عبد، هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمّة ؟ ) قال : الله ورسوله أعلم قال : لا يجهر على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها ) ولا تخلوا الفئتان من المسلمين في اقتتالهما : إما أن يقتتلا على سبيل البغى منهما جميعاً، فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر