" صفحة رقم ٣٧ "
قلت : ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات ؟ قلت : إما أن تدلّ على ترتب معانيها في الوجود، كقوله : يَا لَهْفَ زيابة لِلْحَرْثِ الصَّابِحِ فَالغَانِمِ فَالآيِبِ ;
كأنه قيل : الذي صبح فغنم فآب. وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك : خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل. وإما على ترتيب موصوفاتها في ذلك، كقوله : رحم الله المحلقين فالمقصرين ؛ فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات فإن قلت : فعلى أي هذه القوانين هي فيما أنت بصدده ؟ قلت : إن وحدت الموصوف كانت للدلالة على أن ترتب الصفات في التفاضل، وإن ثلثته، فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه، بيان ذلك : إنك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها، وإما على العكس، وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة. وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على أخر، فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل، أعني أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل، والتاليات أبهر فضلاً، أو على العكس، وكذلك إذا أردت بالصافات : الطير، وبالزاجرات : كل ما يزجر عن معصية. وبالتاليات : كل نفس تتلو الذكر ؛ فإن الموصوفات مختلفة. وقرىء : بإدغام التاء في الصاد والزاي والذال ) رَّبُّ السَّمَاواتِ ( خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف. و ) الْمَشَارِقِ ( ثلثمائة وستون مشرقاً، وكذلك المغارب : تشرق الشمس كل يوم في مشرق وتغرب في مغرب، ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين. فإن قلت : فماذا أراد بقوله :) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ( ( الرحمن : ١٧ ) ؟ قلت : أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما.
) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (
الصافات :( ٦ ) إنا زينا السماء.....
) الدُّنْيَا ( القربى منكم. والزينة : مصدر كالنسبة، واسم لما يزان به الشيء، كالليقة اسم لما تلاق به الدواة، ويحتملهما قوله :) بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ ( فإن أردت المصدر، فعلى إضافته إلى الفاعل، أي : بأن زانتها الكواكب، وأصله : بزينة الكواكب : أو على إضافته إلى المفعول، أي : بأن زان الله الكواكب وحسنها، لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها، وأصله ) بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ ( وهي قراءة أبي بكر والأعمش وابن وثاب، وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان : أن تقع الكواكب بياناً للزينة، لأن الزينة مبهمة في الكواكب