" صفحة رقم ٣٧٩ "
والأنصار أمر عظيم، فنزلت.
) قَالَتِ الاٌّ عْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (
الحجرات :( ١٤ ) قالت الأعراب آمنا.....
الإيمان : هو التصديق مع الثقة وطمأنينة النفس. والإسلام : الدخول في السلم. والخروج من أن يكون حرباً للمؤمنين بإظهار الشهادتين. ألا ترى إلى قوله تعالى :) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( فاعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان. فإن قلت : ما وجه قوله تعالى :) قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا ( والذي يقتضه نظم الكلام أن يقال : قل لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا. أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم ؟ قلت : أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلاً، ودفع ما انتحلوه، فقيل : قل لم تؤمنوا. وروعى في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرّح بلفظه، فل يقل : كذبتم، ووضع ) لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( الذي هو نفي ما ادعوا إثباته موضعه، ثم نبه على ما فعل من وضعه موضع كذبتم في قوله في صفة المخلصين ) أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ( ( الحجرات : ١٥ ) تعريضاً بأن هؤلاء هم الكاذبون، ورب تعريض لا يقاومه التصريح، واستغنى بالجملة التي هي لم :) تُؤْمِنُواْ ( عن أن يقال : لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل : ولكن أسلمتم، ليكون خارجاً مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم :) مِنَ ( كذلك، ولو قيل : ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به. فإن قلت : قوله :) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ ( بعد قوله تعالى :) قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة. قلت : ليس كذلك، فإن فائدة قوله :) لَّمْ تُؤْمِنُواْ ( هو تكذيب دعواهم، وقوله :) وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ