" صفحة رقم ٣٩١ "
( وتبعه قوله :) قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ( وتلاه :) لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ ( ( ق : ٢٨ ) : علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال : رب هو أطغاني، فقال قرينه : ربنا ما أطغيته. وأمّا الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين : وقول قرينه ما قال له :) مَا أَطْغَيْتُهُ ( ما جعلته طاغياً، وما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى :) وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ( ( إبراهيم : ٢٢ ).
) قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (
ق :( ٢٨ ) قال لا تختصموا.....
) قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ ( استئناف مثل قوله :) قَالَ قرِينُهُ ( ( ق : ٢٧ ) كأن قائلاً قال : فماذا قال الله ؟ فقيل : قال لا تختصموا. والمعنى : لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة عليَّ، ثم قال : لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي فأعفيكم عما أوعدتكم به ) وَمَا أَنَاْ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( ( البقرة : ١٩٥ ) فأعذب من ليس بمستوجب للعذاب. والباء في ) بِالْوَعِيدِ ( مزيدة مثلها في ) وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( أو معدية، على أن ( قدّم ) مطاوع بمعنى ( تقدّم ) ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله :) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ( ولأن بالوعيد حالاً، أي : قدّمت إليكم هذا ملتبساً بالوعيد مقترناً به. أو قدّمته إليكم موعداً لكم به. فإن قلت : إنّ قوله :) وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم ( واقع موقع الحال من ) لاَ تَخْتَصِمُواْ ( والتقديم بالوعيد في الدنيا والخصومة في الآخرة واجتماعها في زمان واحد واجب. قلت : معناه ولا تختصموا وقد صح عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد، وصحة ذلك عندهم في الآخرة، فإن قلت :


الصفحة التالية
Icon