" صفحة رقم ٥٢٧ "
لفظ الخبر ؟ قلت : للإيذان بوجوب الامتثال، وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين. ونظيره قول الداعي : غفر الله لك، ويغفر الله لك : جعلت المغفرة لقوّة الرجاء، كأنها كانت ووجدت. فإن قلت : هل لقول القراء أنه جواب ) هَلْ أَدُلُّكُمْ ( وجه ؟ قلت : وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد ؛ فكأنه قيل : هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ؟ فإن قلت : فما وجه قراءة زيد بن علي رضي الله عنهما :) تُؤْمِنُواْ ( ؟ قلت : وجهها أن تكون على إضمار لام الأمر، كقوله : مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس
إذَا مَا خفت مِنْ أَمْرٍ قَبَالاَ
وعن ابن عباس أنهم قالوا : لو نعم أحب الأعمال إلى الله لعملناه، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء الله يقولون : ليتنا نعلم ما هي، فدلهم الله عليها بقوله :) مَّا تُؤْمِنُونَ ( وهذا دليل على أن ) تُؤْمِنُونَ ( كلام مستأنف، وعلى أنّ الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه : أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به ) ذَلِكُمْ ( يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد ) خَيْرٌ لَّكُمْ ( من أموالكم وأنفسكم. فإن قلت : ما معنى قوله :) إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ؟ قلت : معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيراً لكم حينئذٍ ؛ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم، فتخلصون وتفلحون ) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ( ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم، ثم فسرها بقوله :) نَصْرٌ مّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ( أي عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن : فتح فارس والروم. وفي ) تُحِبُّونَهَا ( شيء من التوبيخ على محبة العاجل. فإن قلت : علام عطف قوله ) وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( ؟ قلت : على ) تُؤْمِنُونَ ( لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. فإن قلت : لم نصب من قرأ نصراً من الله وفتحاً قريباً ؟ قلت : يجوز أن ينصب على الاختصاص. أو على تنصرون نصراً، ويفتح


الصفحة التالية
Icon