" صفحة رقم ٥٧٥ "
يشفقون والمؤمنون آمنون، ) مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ( فصلت : ٤٠ ). ) لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ( ( يونس : ٦٢ )، ) لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاْكْبَرُ ( ( الأنبياء : ١٠٣ ) أو كيف يتقربون وليست الدار دار تقرّب ؟ قلت : أما الإشفاق فيجوز أن يكون على عادة البشرية وإن كانوا معتقدين الأمن. وأما التقرّب فلما كانت حالهم كحال المتقربين حيث يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة : سماه تقرّبا.
) ياأَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (
التحريم :( ٩ ) يا أيها النبي.....
) جَاهِدِ الْكُفَّارَ ( بالسيف ) وَالْمُنَافِقِينَ ( بالاحتجاج ؛ واستعمل الغلظة والخشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة. وعن قتادة : مجاهدة المنافقين لإقامة الحدود عليهم. وعن مجاهد : بالوعيد. وقيل : بإفشاء أسرارهم.
) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَاخِلِينَ (
التحريم :( ١٠ ) ضرب الله مثلا.....
مثل الله عز وجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير إبقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر ؛ لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله بحال امرأة نوح وامرأة لوط : لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج إغناء ما من عذاب الله ) وَقِيلَ ( لهما عند موتهما أو يوم القيامة :) ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ ( سائر ) الدخِلِينَ ( الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء. أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. ومثل حال المؤمنين في أنّ وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئاً من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله تعالى، مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين، مع أنّ قومها كانوا كفاراً. وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأميّ المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله ( ﷺ ) بما كرهه وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشد، لما في التمثيل من ذكر الكفر. ونحوه في التغليظ قوله تعالى :) وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله، فإنّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين، والتعريض بحفصة