" صفحة رقم ٥٨١ "
وتنبيهاً على سبب سلامتهنّ من التفاوت : وهو أنه خلق الرحمن، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب، والخطاب في ما ترى للرسول أو لكل مخاطب. وقوله تعالى :) فَارْجِعِ الْبَصَرَ ( متعلق به على معنى التسبيب ؛ أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهنّ، ثم قال :) فَارْجِعِ الْبَصَرَ ( حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة، ولا تبقى معك شبهة فيه ) هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ( من صدوع وشقوق : جمع فطر وهو الشق. يقال : فطره فانفطر. ومنه : فطر ناب البعير، كما يقال : شق وبزل. ومعناه : شق اللحم فطلع. وأمره بتكرير البصر فيهنّ متصفحاً ومتتبعاً يلتمس عيباً وخللاً ) يَنقَلِبْ إِلَيْكَ ( أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور، أي : بالبعد عن إصابة الملتمس، كأنه يطرد عن ذلك طرداً بالصغار والقماءة، وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد. فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئاً حسيراً برجعه كرّتين اثنتين ؟ قلت : معنى التثنية التكرير بكثرة، كقولك : لبيك وسعديك، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض، وقولهم في المثل : دهدرّين سعد القين من ذلك، أي : باطلاً بعد باطل. فإن قلت : فما معنى ثم ارجع ؟ قلت : أمره برجع البصر، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولى وبالنظرة الحمقاء، وأن يتوقف بعدها ويجم بصره، ثم يعاود ويعاود، إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة، فإنه لا يعثر على شيء من فطور.
) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (
الملك :( ٥ ) ولقد زينا السماء.....
) الدُّنْيَا ( القربى ؛ لأنها أقرب السموات إلى الناس، ومعناها : السماء الدنيا منكم. والمصابيح السرج، سميت بها الكواكب، والناس يزينون مساجدهم ودورهم بأثقاب


الصفحة التالية
Icon