" صفحة رقم ٦٥ "
واستنكافهم من ذكرهنّ. ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر، أحدها : التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني : تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، كما قال :) وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ( ( الزخرف : ١٧ )، ) أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( ( الزخرف : ١٨ ) والثالث : أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم : فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمر، ولانقلبت حماليقه وذلك في أهاجيهم بين مكشوف، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات ودلّ على فظاعتها في آيات :) وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ( ( مريم : ٨٨ ٨٩ )، ) وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ( ( الأنبياء : ٢٦ )، ) وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( ( البقرة : ١١٦ )، ) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ( ( الأنعام : ١٠١ )، ) إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ ( ( الصافات : ١٥١ ١٥٢ )، ) وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا ( ( الزخرف : ١٥ )، ) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ بَنَاتٍ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ( ( النحل : ٥٧ )، ) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ( ( الطور : ٣٩ )، ) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ ( ( النحل : ٦٢ )، ) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ( ( الصافات : ١٥٣ )، ) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ ( ( الزخرف : ١٦ )، ) وَجَعَلُواْ الْمَلَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً ( ( الزخرف : ١٩ ). ) أَمَّا خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (. فإن قلت : لم قال :) وَهُمْ شَاهِدُونَ ( فخصّ علم المشاهدة ؟ قلت : ما هو الاستهزاء بهم وتجهيل، وكذلك قوله :) أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ( ( الزخرف : ١٩ ) ونحوه قوله :) مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ( ( الكهف : ٥١ ) وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم. ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر. ويجوز أن يكون المعنى : أنهم يقولون ذلك، كالقائل قولاً عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم، كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وقرىء :( ولد الله ) أي الملائكة ولده. والولد ( فعل ) بمعنى مفعول، يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. تقول : هذه ولدي، وهؤلاء ولدي. فإن قلت :) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ ( بفتح الهمزة : استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد، فكيف صحّت قراءة أبي جعفر بكسر الهمزة على الإثبات ؟ قلت : جعله من كلام الكفرة بدلاً عن قولهم :) وَلَدَ اللَّهُ ( وقد قرإ بها حمزة والأعمش


الصفحة التالية
Icon