" صفحة رقم ٦٨٩ "
والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من ( حقب عامنا ) إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان : إذا أخطأه الرزق، فهو حقب، وجمعه أحقاب، فينتصب حالا عنهم، يعني لابثين فيها حقيبين جحدين. وقوله :) لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ( تفسير له والاستثناء منقطع، يعني : لا يذوقون فيها برداً وروحاً ينفس عنهم حرّ النار، ولا شراباً يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها حميماً وغساقاً وقيل ( البرد ) النوم، وأنشد : فَلَوْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُم
وَإنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ تَقَاخاً وَلاَ بَرْدَا
وعن بعض العرب : منع البرد البرد. وقرىء ( غساقاً ) بالتخفيف والتشديد : وهو ما يغسق، أي : يسيل من صديدهم ) وِفَاقاً ( وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة :( وفاقاً ) فعال من وفقه كذا ( كذاباً ) تكذيباً ؛ وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ؛ وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فساراً ما سمع بمثله. وقرىء بالتخفيف، وهو مصدر كذب، بدليل قوله : فَصَدَقْتُهَا وَكَذَبْتُهَا
وَالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهْ
وهو مثل قوله :) أَنبَتَكُمْ مّنَ الاْرْضِ نَبَاتاً ( ( نوح : ١٧ ) يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً. أو تنصبه بكذبوا، لأنه يتضمن معنى كذبوا، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرىء ( كذاباً ) وهو جمع كاذب، أي : كذبوا بآياتنا كاذبين ؛ وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب، يقال : رجل كذاب، كقولك : حسان، وبخال ؛ فيجعل صفة لمصدر كذبوا، أي : تكذيباً كذاباً مفرطاً كذبه، وقرأ أبو السمال : وكل شيء أحصيناه، بالرفع على الابتداء ) كِتَاباً ( مصدر في موضع إحصاء وأحصينا في معنى كتبنا، لالتقاء الإحصاء، والكتية في معنى الضبط والتحصيل. أو يكون حالا في معنى : مكتوباً في