" صفحة رقم ٨٠٧ "
الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم، والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافاً : إذا ألفته، فأنا مألف. قال : مِنَ الْمُؤَلِفَاتِ الرَّهْوِ غَيْرِ الأوَالِكِ
وقرىء :( لئلاف قريش ) أي : لمؤالفة قريش. وقيل : يقال : ألفته إلفاً وإلافاً. وقرأ أبو جعفر :( لإلف قريش )، وقد جمعهما من قال :
زَعَمْتُمْ أَنْ إخْوَتَكُمْ قُرَيْش لَهُمْ إلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إلاَفُ
وقرأ عكرمة :( ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف ). وقريش : ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش : وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تطاق إلاّ بالنار. وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما : بم سميت قريش ؟ قال : بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعالى. وأنشد :
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُن الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشاً
والتصغير للتعظيم. وقيل : من القرش وهو الكسب : لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد. أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين، تفخيماً لأمر الإيلاف، وتذكيراً بعظم النعمة فيه ؛ ونصب الرحلة بإيلافهم مفعولاً به، كما نصب ( يتيماً ) بإطعام، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس، كقوله :
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ...... ;
وقرىء :( رحلة ) بالضم : وهي الجهة التي يرحل إليها : والتنكير في ) جُوعٍ ( و ) خوْفٍ ( لشدتهما، يعني : أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم.