" صفحة رقم ٨٠٩ "
كرّمت عليّ ) والمعنى : هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو ؟ إن لم تعرفه ) فَذَلِكَ الَّذِى ( يكذب بالجزاء، هو الذي ) يَدُعُّ الْيَتِيمَ ( أي : يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى، وبردّه ردّاً قبيحاً بزجر وخشونة. وقرىء :( يدع ) أي : يترك ويجفو ) وَلاَ يَحُضُّ ( ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعني : أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشى الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه : على أنه مكذب، فما أشدّه من كلام، وأما أخوفه من مقام. وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدلّ بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين، ثم وصل به قوله ) فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ( كأنه قال : فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله ( ﷺ ) والسلف ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع وإخبات ولا اجتناب لما يكره فيها : من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، كما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم. والمعنى : أن هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبه من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام علماً على أنهم مكذبون بالدين. وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه. وطريقة أخرى : أن يكون ) فَذَلِكَ ( عطفاً على ) الَّذِى يُكَذّبُ ( إمّا عطف ذات على ذات، وصفة على صفة، ويكون جواب ) أَرَأَيْتَ ( محذوفاً لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل : أخبرني، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ؟ وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ؟ أنِعم ما يصنع ؟ ثم قال :) فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ( أي : إذا علم أنه مسىء، فويل للمصلين، على معنى : فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكين أموالهم. فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع، لأنّ المراد به الجنس. فإن قلت : أيّ فرق بين قوله :) عَن صَلَاتِهِمْ ( وبين قولك :( في صلاتهم ) ؟ قلت : معنى :( عن ) : أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها ؛ وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين. ومعنى ( في ) : أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.