انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن فالإلهام والتسخير والمنام دل عليه قوله ﴿ إلا وحيا ﴾ وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله ﴿ أو من وراء حجاب ﴾ وتبليغ جبريل في صورة معينة دل عليه قوله ﴿ أو يرسل رسولا فيوحي ﴾ وقوله ﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ﴾ فذلك لمن يدعي شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحي أي نوع ادعاه من غير أن حصل له، وقوله ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه ﴾ الآية فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه وذلك أن معرفة وحدانية لله تعالى معرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع. فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته، وقوله تعالى :﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين ﴾ فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام، وقوله :﴿ وأوحينا إليهم فعل الخيرات ﴾ فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء. ومن الوحي المختص بالنبي عليه الصلاة والسلام :﴿ اتبع ما أوحي إليك من ربك ﴾ - ﴿ إن أتبع إلا ما يوحى إلي ﴾ - ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ﴾ وقوله :﴿ وأوحينا إلى موسى وأخيه ﴾ فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، ووحيه تعالى إلى هرون بوساطة جبريل وموسى، وقوله :﴿ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ﴾ فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل، وقوله :﴿ وأوحى في كل سماء أمرها ﴾ فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره كأنه قال أوحى إلى الملائكة لأن أهل السماء هم الملائكة، ويكون كقوله :﴿ إذ يوحي ربك إلى الملائكة ﴾ وإن كان الموحى إليه هي السموات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي، ونطق عند من جعله حيا، وقوله :﴿ بأن ربك أوحى لها ﴾ فقريب من الأول وقوله :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ فحث على التثبت في السماع وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقنه.
ودد : الود محبة الشيء وتمني كونه، ويستعمل في كل واحد من المعنيين على أن التمني يتضمن معنى الود لأن التمني هو تشهي حصول ما توده، وقوله :﴿ وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾ وقوله ﴿ سيجعل لهم الرحمن ودا ﴾ فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله :﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت ﴾ الآية. وفي المودة التي تقتضي المحبة المجردة في قوله :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ وقوله ﴿ وهو الغفور الودود ﴾ - ﴿ إن ربي رحيم ودود ﴾ فالودود يتضمن ما دخل في قوله :﴿ فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ﴾

__________


الصفحة التالية
Icon