٤٠٤
قال الله تعالى لمحمد ﷺ " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " يعني يحرقكم لأنهم كانوا مقرين أنه يحرقهم أربعين يوما أياما معدودة قل لهم فهل رأيتم والدا يحرق ولده أو يحرق محبة ففي الآية دليل أن الله تعالى إذا أحب عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه لأنه احتج عليهم فقال " فلم يعذبكم " إن كنتم أحباء الله تعالى وقال في آية أخرى " إن الله يحب التوبين ويحب المتطهرين " البقرة ٢٢٢ ففيها دليل على أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم ولا المجاهدين الذين يجاهدون لقوله تعالى " إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله صفا " الصف ٤ ثم قال " بل أنتم بشر ممن خلق " يعني أنتم لستم بأبناء الله ولا أحبائه ولكن أنتم خلق كسائر خلق الله تعالى
ثم قال " يغفر لمن يشاء " أي يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه " ويعذب من يشاء " فيهينه ويتركه على الكفر " ولله ملك السموات والأرض وما بينهما " من الخلق " وإليه المصير " يعني إليه المرجع فيجزيهم بأعمالهم
قوله تعالى " يا أهل الكتاب " يعني يا أهل التوراة والإنجيل وإنما أضافهم إلى الكتاب والله أعلم على وجه التعيير يعني أنتم أهل الكتاب فلم لا تعملون بكتابكم كقوله يا عاقل لم لا تفعل كذا وكذا وإنما تذكر العقل على معنى التعيير أي أنك لا تعمل عمل العقلاء
ثم قال " قد جاءكم رسولنا " يعني محمدا ﷺ " يبين لكم " الدين والأحكام والشرائع " على فترة من الرسل " يعني بعد انقطاع من الرسل والوحي وقال مقاتل في الآية تقديم وتأخير ومعناه قد جاءكم رسولنا " على فترة من الرسل " يبين لكم وإنما سمي " فترة " لأن الدين يفتر ويندرس عند انقطاع الرسل يعني بين عيسى ومحمد عليهما السلام وقال قتادة كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة وستون سنة وقال الكلبي خمسمائة وأربعون سنة وقال الضحاك ومقاتل كان بينهما ستمائة سنة وقال وهب كان بينهما ستمائة وعشرون سنة
ثم قال " إن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير " يعني لكي لا تقولوا ما جاءنا من رسول الله بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا " فقد جاءكم " محمد ﷺ " بشير " بالجنة " ونذير " من النار " والله على كل شيء قدير " من المغفرة والعذاب وبعث الرسل
سورة المائدة ٢٠


الصفحة التالية
Icon