٥٢
وأما الإشكال الذي في المعنى أن يقال إذا ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون العقوبة والجواب عن هذا أن يقال إن ختم الله مجازاة لكفرهم كما قال فى آية أخرى " بل طبع الله عليها بكفرهم " النساء١٥٥ لأن الله تعالى قد يسر عليهم السبيل فلو جاهدوا لوفقهم كما قال في آية أخرى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " العنكبوت ٦٩ فلما لم يجاهدوا واختاروا الكفر عاقبهم الله تعالى في الدنيا بالختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وفي الآخرة بالعذاب العظيم
وروي عن مجاهد أنه قال من أول سورة البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين وروي عن مقاتل أنه قال آيتان من أول السورة في نعت المؤمنين المهاجرين وآيتان في نعت مؤمني أهل الكتاب وآيتان في نعت الكفار وثلاث عشرة آية في نعت المؤمنين غير المهاجرين وآيتان في نعت المنافقين من قوله " ومن الناس " إلى قوله " إن الله على كل شيء قدير "
سورة البقرة آية ٨
قوله تعالى " ومن الناس من يقول آمنا بالله " قوله " من " للتبعيض فإنه أراد به بعض الناس ولم يرد به جميع الناس فكأنه قال بعض الناس يقولون آمنا بالله وقد قيل معناه ومن الناس ناس يقولون آمنا بالله يعني صدقنا بالله وصدقنا " وباليوم الآخر وبالبعث بعد الموت " وما هم بمؤمنين " يعني ليسوا بمصدقين بل هم منافقون منهم عبد الله بن أبي بن سلول ومعتب بن قشير وجد بن قيس ومن تابعهم من المنافقين وفي هذه الآية دليل على أن القول بغير تصديق القلب لا يكون إيمانا لأن المنافقين كانوا يقولون بألسنتهم ولم يكن لهم تصديق القلب فنفى الله الإيمان عنهم فقال " وما هم بمؤمنين "
سورة البقرة آية ٩ " قوله تعالى " يخادعون الله " وأصل الخداع في اللغة الستر يقال للبيت الذي يخزن فيه المال مخدع والعرب تقول انخدعت الضب في جحرها فكان المنافقون يظهرون الإيمان ويسترون نفاقهم وكفرهم فقال " يخادعون الله والذين آمنوا " يعني يكذبون ويخالفون الله والذين آمنوا ويقال يظنون أنهم يخادعون الله والذين آمنوا لأنه قد بين في سياق الآية حيث قال " وما يخدعون إلا أنفسهم " وروى عن الأخفش أنه قال اجترؤوا على الله حتى