٥٦٢
قوله تعالى " ولما جاء موسى لميقاتنا " يعني لميعادنا لتمام أربعين يوما ويقال " لميقاتنا " يعني للوقت الذي وقتنا له " وكلمة ربه " فسمع موسى كلام الله تعالى بغير وحي فاشتاق إلى رؤيته " قال رب أرني أنظر إليك " " انظر " صار جزما لأنه جواب الأمر " قال " له ربه " لن تراني " يعني إنك تراني في الدنيا " ولكن انظر إلى الجبل " يعني انظر إلى أعظم جبل بمدين " فإن استقر مكانه فسوف تراني " يعني سوف تقدر أن تراني إن استقر الجبل مكانه معناه كما أن الجبل لا يستقر لرؤيتي فإنك لن تطيق رؤيتي " فلما تجلى ربه للجبل " قال الضحاك ألقى عليه من نوره فاضطرب الجبل من هيبته يعني من رهبة الله تعالى وقال القتبي " تجلى " أي ظهر وأظهر من أمره ما شاء يقال جلوت المرآة والسيف إذا أبرزته من الصدأ وكشفت عنه وجلوت العروس إذا أبرزتها " فما تجلى ربه للجبل " يعني جبل زبير " جعله دكا " قرأ حمزة والكسائي " دكاء " بالمد والهمز يعني جعله أرضا دكاء وقرأ الباقون " دكا " بالتنوين يعني دكه دكا قال بعضهم صار الجبل قطعا فصار على ثمان قطع فوقع ثلاث بمكة وثلاث بالمدينة واثنان بالشام ويقال صار ستة فرق ويقال صار أربع فرق ويقال صار كله رملا عالجا وروي عكرمة عن ابن عباس أنه قال " جعله دكا " أي ترابا وقال القتبي " جعله دكا " أي ألصقه بالأرض ويقال ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام وروي عن وهب بن منبه قال لما سأل موسى النظر إلى ربه أمر الله الضباب والصواعق والظلمات والرعد والبرق فهبطن حتى أحطن بالجبل وأمر الله تعالى ملائكة السموات فهبطوا وارتعدت فرائض موسى وتغير لونه فقال له جبريل اصبر لما سألت ربك فإنما رأيت قليلا من كثير فلما غشي الجبل النور خمد كل شيء وانقطعت أصوات الملائكة وانهار الجبل من خشية الله تعالى حتى صار دكا
قوله تعالى " وخر موسى صعقا " قال مقاتل يعني ميتا كقوله عز وجل " فصعق من في السموات " سورة الزمر ٦٨ يعني مات ويقال " وخر موسى صعقا " يعني مغشيا عليه " فلما أفاق " من غشيانه قال مقاتل رد الله حياته إليه " قال سبحانك " يعني تنزيها لك " تبت إليك " من قولي " وأنا أول المؤمنين " روى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال قد كان قبله من المؤمنين ولكن يقول أنا أول من آمن به بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة وقال مقاتل " وأنا أول المؤمنين " بأنك لا ترى في الدنيا ويقال معناه تبت إليك بأن لا أسألك بعد هذا سؤالا محالا فاعترف أنه طلب شيئا في غير حينه وأوانه ووقته وقال الزجاج قد قال موسى " أرني أنظر إليك " يعني أرني أمرا عظيما لا يرى مثله في الدنيا مما لا تحتمل عليه نفسي " فلما تجلى ربه للجبل " أي أمر به قال وهذا


الصفحة التالية
Icon