٥٨
السمع والبصر لم يكن لهم كما أن الله تعالى سمى الكفرة موتى حيث قال تعالى " أو من كان ميتا فأحييناه " الأنعام ١٢٢ يعني كافرا فهديناه وإنما سماهم موتى والله أعلم لأنه لا منفعة لهم في حياتهم فكأن تلك الحياة لم تكن لهم فكذلك السمع والبصر واللسان إذا لم ينتفعوا بها فكأنها لم تكن لهم وكأنهم " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " يعني لا يرجعون إلى الهدى
وقال القتبي معنى قوله " وتركهم في ظلمات " قال الظلمة الأولى كانت ظلمة الكفر واستيقادهم النار قول لا إله إلا الله وإذا خلوا إلى شياطينهم فنافقوا وقالوا " إنا معكم إنما نحن مستهزءون " البقرة ١٤ فسلبهم نور الإيمان وبقوا في ظلمة الكفر " وتركهم في ظلمات لا يبصرون "
سورة البقرة آية ١٩
قوله تعالى " أو كصيب من السماء فيه ظلمات " يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم الله تعالى مثلا آخر لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال فالله تعالى ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة فضرب لهم مثلا بالمستوقد النار ثم ضرب لهم مثلا آخر بالمطر فإن قيل كلمة " أو " إنما تستعمل للشك فما معنى " أو " ها هنا فقيل له " أو " قد تكون للتخيير فكأنه قال إن شئتم فاضربوا لهم مثلا بالمستوقد النار وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعا وهذا كما قال في آية أخرى " أو كظلمات في بحر لجي " النور ٤٠ فكذلك ها هنا " أو " للتخيير لا للشك وقد قيل " أو " بمعنى الواو يعني وكصيب من السماء معناه مثلهم كرجل في مفازة في ليلة مظلمة فنزل مطر من السماء وفي المطر ظلمات " ورعد وبرق " والمطر هو القرآن لأن في المطر حياة الخلق وإصلاح الأرض فكذلك القرآن فيه هدى للناس وبيان من الضلالة وإصلاح الأرض فلهذا المعنى شبه القرآن بالمطر والظلمات هي الشدائد والمحن التي تصيب المسلمين والشبهات التي في القرآن والرعد هو الوعيد الذي ذكر للكفار والمنافقين في القرآن والبرق ما ظهر من علامات نبوة محمد ﷺ ودلائله
وقوله تعالى " ويجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق " يعني يتصاممون عن استماع الحق ( حذر الموت ) يعني لحذر الموت والكلام إنما ينصب لنزع الخافض مثل قوله " واختار موسى قومه " الأعراف ١٥٥ أي من قومه فكذلك هاهنا " حذر الموت " يعني لحذر الموت ومعناه مخافة أن ينزل في القرآن شيء يظهر حالهم كما قال في آية أخرى