٥٨٤
استدرج فلان فلانا يعني يعرف ما عنده وأصل هذا من الدرجة لأن الراقي يرقى درجة فاستعير من هذا كقوله تعالى " والمرسلات غرفا " المرسلات ١ يعني الملائكة يتابعون بعضهم بعضا كعرف الفرس وكقوله تعالى " ويقبضون أيديهم " التوبة ٦٧ يعني يمسكون عن العطية وقال السدي " سنستدرجهم " يعني كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها ثم نأخذهم من حيث لا يعلمون فذلك الاستدراج
ثم قال " وأملي لهم " يعني وأمهلهم " إن كيدي متين " يعني عقوبتي شديدة ويقال إن صنعي محكم ويقال إن أخذي شديد
ثم قال تعالى " أو لم يتفكروا " يعني أهل مكة فيما يأمرهم محمد ﷺ ان يعبدوا خالقهم ورازقهم وكاشف الضر عنهم ولا يعبدوا من لا يقدر على شيء منه أمثل هذا يكون مجنونا ويقال معناه " أو لم يتفكروا " في دلائل النبي ﷺ ومعجزاته ليستدلوا بأنه نبي وقد تم الكلام
ثم استأنف فقال " ما بصاحبهم من جنة " ويقال هذا على وجه البناء ومعناه أولم يتفكروا ليعلموا " ما بصاحبهم من الجنة " يعني جنونا ويقال إن النبي ﷺ صعد ذات ليلة الصفا فدعا قريشا إلى عبادة الله تعالى بأسمائهم فردا فردا فقال بعضهم إن صاحبكم لمجنون فوعظهم الله تعالى فقال " أو لم يتفكروا " يقول أولم يجالسوه ويكلموه هل به من جنون " إن هو إلا نذير مبين " يعني رسولا نبيا وهذا كقوله تعالى " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " سبأ ٤٦
ثم وعظهم ليعتبروا في صنعه فيوحدوه فقال " أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض " يعني في خلق السموات والأرض " وما خلق الله من شيء " يعني في السماء من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله في الأرض من الجبال والبحار وغير ذلك فيعتبروا ويؤمنوا بأن الذي خلق الذين ترون هو رب واحد لا شريك له " وأن عسى " يعني ينظرون في أن عسى " أن يكون قد اقترب أجلهم " يعني قد دنا هلاكهم " فبأي حديث بعده يؤمنون " يعني إن لم يؤمنوا بالقرآن فبأي حديث يؤمنون بعد القرآن لأن هذا آخر كتاب نزل وليس بعده كتاب منزل
ثم قال تعالى " من يضلل الله فلا هادي له " يعني من يخذله الله عن دين الإسلام فلا هادي له إلى الهدى " ويذرهم في طغيانهم يعمهون " يعني يتركهم في ضلالتهم يترددون قرأ أبو عمرو " ويذرهم " بالياء وضم الراء على معنى الخبر وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " ونذرهم " بالنون وضم الراء وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " ويذرهم " بالياء وجزم الراء جعلوه جواب الشرط ومعناه من يضلل الله يذره