١٩٢
ثم إن المرأة قالت لزوجها إن هذا الغلام العبراني لا يقلع عني وقد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم ويقول أنني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس وأخبرهم بحالي وإما أن تحبسه حتى ينقطع حديثه فذلك قوله تعالى " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات " يعني ثم بدا للزوج من بعد ما رأى شق القميص وقضاء إبن عمها بينهما " ليسجننه حتى حين " قال الكلبي فسجنه خمس سنين ويقال " حتى حين " يعني إلى يوم من الأيام أو إلى وقت من الأوقات
سورة يوسف ٣٦ - ٣٧
قوله تعالى " ودخل معه السجن فتيان " يعني حبس معه في السجن الخباز والساقي عبدان لملك غضب عليهما يعني صاحب شرابه وصاحب مطبخه " قال أحدهما " ليوسف " إني أراني " في المنام " أعصر خمرا " يعني عنبا بلغة عمان قال الضحاك إن ناسا من العرب يسمون العنب خمرا ويقال معناه أعصر العنب الذي يكون عصيره خمرا وذلك أنه قال رأيت في المنام كأني دخلت كرما فيه حبلة حسنة فيها ثلاث من القضبان وفي القضبان ثلاثة عناقيد عنب قد أينع وبلغ فأخذته وعصرته في الكأس ثم أتيت به الملك فسقيته
" وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا " يقول رأيت في المنام كأني أحمل فوق رأسي ثلاث سلال خبزا " تأكل الطير منه نبئنا بتأويله " يقول أخبرنا بتفسير هذه الرؤيا " إنا نراك من المحسنين " أي من الموحدين وذلك أنه ينصر المظلوم ويعين الضعيف وكان يداوي مرضاهم ويعزي مكروبهم فإذا إحتاج واحد منهم قام وجمع له شيئا ويقال " إنا نراك من المحسنين " يعني من الصادقين في القول ويقال كان متعبدا لربه ويقال كان أهل السجن يجتمعون عنده ويسألونه أشياء فيخبرهم فقالا " إنا نراك من المحسنين " يعني نراك عالما وقد أحسنت العلم " قال " لهما يوسف " لا يأتيكما طعام ترزقانه " يعني تطعمانه " إلا نبأتكما بتأويله " يقول أخبرتكما بتفسيره وألوانه " قبل أن يأتيكما " الطعام وإنما أراد بذلك أن يبين لهما علامة نبوته وهذا مثل قول عيسى عليه السلام لقومه " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " [ آل عمران : ٤٩ ] فلما أخبر يوسف بذلك قالا وكيف تعلم ولست بساحر ولا عراف ولا كاهن قال يوسف " ذلكما مما علمني ربي " أراد أن يبين لهما علامة نبوته لكي يسلما
ثم قال " إني تركت " يعني تبرأت من " ملة قوم " يعني دين قوم " لا يؤمنون بالله "