٢٠٣
ويقال لما كان عند الطعام أمر كل إثنين أن يأكلا في قصعة واحدة وبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي في الأحياء لأكلت معه فقال له يوسف إني أنا أخوك يعني بمنزلة أخيك " فلا تبتئس بما كانوا يعملون " يقول لا تحزن بما يعيرون يوسف وأخاه بشيء
قوله تعالى " فلما جهزهم بجهازهم " يعني كال لهم كيلهم " جعل السقاية " يعني وضع ودس الإناء " في رحل أخيه " بنيامين فخرجوا وحملوا الطعام وذهبوا فخرج يوسف على أثرهم حتى أدركهم " ثم أذن مؤذن " يعني نادى مناد بينهم واسم المنادي أفرايم من فتيان يوسف قال " أيتها العير إنكم لسارقون " إناء الملك فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم
قوله تعالى " قالوا وأقبلوا عليهم " يعني وأقبلوا إليهم وقالوا " ماذا تفقدون " يعني ماذا تطلبون " قالوا " يعني قال المنادي والغلمان " نفقد صواع الملك " قال قتادة ( صواع ) إناء الملك الذي يشرب فيه وقال عكرمة هو إناء من فضة وقال سعيد بن جبير هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه وكانت الأعاجم تشرب فيه وروى سعيد بن جبير عن إبن عباس أنه قال كان إناء من فضة مثل المكوك وكان للعباس واحد منها في الجاهلية
وروي عن أبي هريرة أنه قرأ " صاع الملك " يعني الصاع الذي يكال به الحنطة وقرأ بعضهم " صوع الملك " وقرأ يحيى بن عمرو " صوغ الملك " بالغين يعني إناء مصوغا وقراءة العامة " صواع الملك " يعني الإناء وهي المشربة من فضة وكان الشرب في إناء الفضة مباحا في الشريعة الأولى وأما في شريعتنا فالشراب في إناء الفضة حرام
ثم قال " ولمن جاء به حمل بعير " يعني قال المنادي من جاء بالصوع فله حمل بعير من بر " وأنا به زعيم " أي أنا كفيل بتسليم ذلك إليه لأن الملك يتهمني في ذلك " فقالوا " أي أخوة يوسف " تالله " والله " لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض " يعني ما جئنا لنعمل بالمعاصي في أرض مصر ونخون أحدا " وما كنا سارقين " وكان الحكم في أرض مصر للسارق الضرب والتضمين وكان الحكم بأرض كنعان أنهم يأخذون السارق ويسترقونه ففوضوا الحكم إلى بني يعقوب ليحكموا بحكم بلادهم " قالوا " يعني المؤذن وأصحابه لأولاد يعقوب " فما جزاؤه " يعني فما جزاء السارق " إن كنتم كاذبين قالوا " يعني إخوة يوسف " جزاؤه " يعني عقابه " من وجد في رحله " يعني في وعائه " فهو جزاؤه " يعني الإستعباد جزاء سرقته " كذلك نجزي الظالمين " يعني هكذا نعاقب السارق في سنة آل يعقوب
سورة يوسف ٧٦ - ٧٧
ثم قال " فبدأ " يعني المنادي ويقال يوسف " بأوعيتهم " يعني أوعية إخوته وطلب في أوعيتهم " قبل وعاء أخيه " فلم يجد فيها شيئا وروى معمر عن قتادة أنه قال كلما فتح متاع رجل إستغفر الله تائبا مما صنع حتى بقي
متاع الغلام فقال ما أظن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرأه فطلب فوجد فيه فاستخرجها من وعاء أخيه فلما إستخرجت من رحله إنقطعت ظهور القوم وتحيروا وقالوا يا بنيامين لا يزال لنا منكم بلاء ما لقينا من إبني راحيل فقال بنيامين بل لقي إبنا راحيل منكم فأما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم وأما أنا فسرقتموني قالوا فمن جعل الإناء في متاعك قال الذي جعل الدراهم في متاعكم فسكتوا فذلك قوله " ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف " يعني كذلك صنعنا ليوسف والكيد الحيلة يعني كذلك إحتلنا له وألهمناه الحيلة
ثم قال " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " يعني في قضاء ملك مصر لأنه لم يكن في قضائه أن يستعبد الرجل في سرقته ثم قال " إلا أن يشاء الله " يعني وقد شاء الله أن يأخذه بقضاء أبيه ويقال ما كان يقدر أن يأخذ في ولاية الملك بغير حكم إلا بمشيئة الله تعالى ويقال إلا أن يشاء الله ذلك ليوسف ثم قال " نرفع درجات من نشاء " يعني من نشاء بالفضائل
وقرأ أهل الكوفة " نرفع درجات " بتنوين التاء وقرأ الباقون " درجات من نشاء " بغير تنوين على معنى الإضافة " وفوق كل ذي علم عليم " يعني ليس من عالم إلا وفوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب أن رجلا سأل عليا عن مسألة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا فقال علي أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم وروي عن سعيد بن جبير أن إبن عباس حدث بحديث فقال رجل عنده الحمد لله " وفوق كل ذي علم عليم " فقال إبن عباس إن الله تعالى هو العالم وهو فوق كل عالم
ثم قال تعالى " قالوا إن يسرق " يعني قال إخوة يوسف إن يسرق بنيامين " فقد سرق أخ له من قبل " يعنون يوسف " فأسرها يوسف " يعني فأضمر الكلمة يوسف " في نفسه " أي في قلبه " ولم يبدها لهم " يعني لم يعلن لهم جوابا " قال أنتم شر مكانا " يعني صنيعا من يوسف لأن يوسف سرق الوثن وأنتم تسرقون الصواع وذلك أن يوسف كان سرق صنما من