٢٠٧
يومئذ إبن سبع سنين وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعدما جمع الله شمله ثلاثا وعشرين سنة وروي عن إبن عباس أنه قال غاب يوسف عنه إثنين وعشرين سنة وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة من الأمم " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة : ١٥٦ ] غير هذه الأمة ولو كان أوتيها أحد قبلكم لأوتيها يعقوب حين قال " يا أسفى على يوسف " وروي عن إبراهيم بن ميسرة أنه قال لو أن الله أدخلني الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بأبيه حيث لم يكتب إليه كتابا ولم يعلمه حاله ليسكن ما به من الغم
سورة يوسف ٨٥ - ٨٧
قوله تعالى " قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف " يعني أن بنيه قالوا ليعقوب لا تزال تذكر يوسف " حتى تكون حرضا " أي دنفا من الوجع ويقال حتى تبلى وتهرم وقال القتبي لا تحذف من الكلام ويراد به إثباتها لقوله " تفتؤ " أي لا تفتأ أي لا تزال تذكر يوسف كقوله " أن تحبط أعمالكم " [ الحجرات : ٢ ] أي لكيلا تحبط أعمالكم " حتى تكون حرضا " وقال الربيع بن أنس حتى تكون باليا يابس الجلد وقال محمد بن إسحاق " حتى تكون حرضا " يعني لا عقل لك " أو تكون من الهالكين " يعني من الميتين وقال مجاهد الحرض ما دون الموت والهالك الميت " قال " يعقوب " إنما أشكو بثي وحزني " يعني همي وغمي " إلى الله " لما رأى من فظاظتهم وسوء لفظهم ولا أشكو ذلك إليكم وقال القتبي البث أشد الحزن إنما سمي الحزن البث لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه أي يفشوه
ثم قال " وأعلم من الله مالا تعلمون " أن يوسف حي وليس بميت وإنما كان يعلم ذلك من تحقيق رؤيا يوسف حين رأى في المنام أحد عشر كوكبا أن ذلك سيكون ويقال إن يعقوب رأى ملك الموت في المنام وسأله هل قبضت روح قرة عيني يوسف قال لا ولكن هو في الدنيا حي فلذلك قال " وأعلم من الله ما لا تعلمون "
ثم قال تعالى " يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " يعني إنطلقوا إلى مصر فاطلبوا خبر يوسف " وأخيه " قالو له أما بنيامين فلا نترك الجهد في أمره وأما يوسف فإنه ميت وإنا لا نطلب الأموات فقال لهم يعقوب " ولا تيأسوا من روح الله " يعني لا تقنطوا من رحمة الله " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " يعني الجاحدين لنعمة الله
سورة يوسف ٨٨ - ٨٩
قوله تعالى " فلما دخلوا عليه " يعني رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه " قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " يعني أصابنا وأهلنا الجوع " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال الحسن يعني قليلة وقال المزجاة النفاية وكان لا يؤخذ في الطعام إلا جيدا في ذلك الوقت لأن الطعام كان عزيزا فلا يؤخذ فيها إلا الجيد وعن عبد الله بن الحارث في قوله " وجئنا ببضاعة مزجاة " قال متاع الأعراب الصوف والسمن واللبن ونحو
ذلك وعن إبن عباس قال يعني جئنا بدراهم رديئة وقال سعيد بن جبير بدراهم زيوف " فأوف لنا الكيل " يعني أتمم لنا الكيل " وتصدق علينا " يعني وتصدق علينا ما بين الثمنين يعني ما بين الجيد والرديء " إن الله يجزي المتصدقين " يعني يثيبهم في الآخرة بما صنعوا وقال إبن عباس لو علموا أنه مسلم لقالوا إن الله يجزيك بالصدقة يعني إنه كان يلبس عليهم فلا يعرفون حاله ومذهبه فأخرج يوسف الكتاب الذي كان كتبه يهوذا حين باعوا يوسف ودفعه إليهم فعرف يهوذا خطه وقالوا نحن بعنا هذا الغلام إذ كنا نرعى الغنم فقال لهم ظلمتم وبعتم الحر فدعا يوسف بالسيافين وأمرهم بأن يقتلوا إخوته جميعا فاستغاثوا كلهم وصرخوا وقالوا إن لم ترحمنا فارحم الشيخ الضعيف فإنه قد جزع على ولد واحد فكيف إن هلك أولاده كلهم " قال " لهم يوسف " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " يعني مذنبون ووصف لهم ما فعلوا به
سورة يوسف ٩٠ - ٩٣
" قالوا أإنك لأنت يوسف " قرأ إبن كثير " إنك لأنت يوسف " بهمزة واحدة وكسر الألف يعني حققوا أنه يوسف وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وإبن عامر " أإنك " بهمزتين على معنى الإستفهام يعني إنك يوسف أم لا وقرأ نافع وأبو عمرو " آينك " بهمزة واحدة مع المد ومعناه مثل الأول على معنى الإستفهام " قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا " يعني أنعم علينا بالصبر " إنه من يتق " الله تعالى " ويصبر " على البلاء " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " أي ثواب الصابرين
قوله تعالى " قالوا تالله لقد آثرك الله علينا " يعني إخوة يوسف إعتذروا إليه فقالوا لقد فضلك الله علينا واختارك " وإن كنا لخاطئين " يقول وقد كنا لعاصين لله تعالى فيما صنعنا بك


الصفحة التالية
Icon