٢٨٩
وتشديدها " وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " أي شهيدا على إتمام العهود والوفاء بها ويقال حفيظا على ما قال الفريقان " إن الله يعلم ما تفعلون " في وفاء العهد والنقض
ثم ضرب الله تعالى مثلا آخر فقال " ولا تكونوا " في نقض العهد " كالتي نقضت غزلها " وهي ريطة الحمقاء بنت عمرو بن كعب بن سعد وهي أم الأخنس بن شريف الزهري " من بعد قوة أنكاثا " أي من بعد ما أبرمته وأحكمته كانت إذا غزلت الشعر والكتان نقضته ثم غزلته فقال ولا تنقضوا العهد بعد توكيده كما نقضت المرأة غزلها وقال القتبي أي لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود ثم تنقضوا ذلك فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ثم نقضت ذلك النسج فجعلته أنكاثا والأنكاث ما نقض من غزل الشعر وغيره واحدها نكث
ثم قال " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي دغلا وخيانة " أن تكون أمة " أي فريقا منكم " هي أربى من أمة " أي هي أكثر وأغنى من أمة قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كندة ومراد وذلك أنه كان بينهم قتال حتى كل الظهر ثم تواعدوا لستة أشهر حتى يصلح الظهر أي الدواب ولحم الخيل فلما مضت خمسة أشهر أمر قيس بن معد يكرب بالجهاد إليهم فقالوا قد بقي من الأجل شهر فمكث حتى علم أنه يأتيهم بعد انقضاء الأجل فقتلوه وهزموا قومه فذلك قوله " ولا تتخذوا أيمانكم " [ النحل : ٩٤ ] أي عهودكم بالله " دخلا " أي مكرا وخديعة بينكم " أن تكون أمة هي أربى من أمة " يعني أن تكون أمة أكثر من أمة فينقضون العهد لأجل كثرتهم فلا تحملنكم الكثرة على نقض العهد " إنما يبلوكم الله به " يعني إنما يبتليكم الله بالكثرة لنقض العهد والوفاء وقال مجاهد كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز نقضوا وحالفوا الأعز فنزل " إنما يبلوكم الله به " أي يختبركم بنقض العهود وبالكثرة " وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون " من الدين ويبين لكم ما نقضتم من العهود ويجازيكم به
قوله " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " أي على ملة واحدة وهي الإسلام " ولكن يضل من يشاء " أي يخذل من علم أنه ليس من أهل الإسلام " ويهدي من يشاء " أي يكرم بالإسلام من هو أهل لذلك " ولتسألن عما كنتم تعملون " فهذه اللام لام القسم والتأكيد أي يسألكم " عما كنتم تعملون " من الوفاء والنقض بالعهد
سورة النحل ٩٤ - ٩٧


الصفحة التالية
Icon