٢٩٣
قوله عز وجل " إن الذين لا يؤمنون بآيات الله " أي القرآن " لا يهديهم الله " أي لا يوفقهم الله ولا يكرمهم لقلة رغبتهم في الإيمان ويقال لا ينجيهم في الآخرة من النار " ولهم عذاب أليم " في الآخرة
ثم قال " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون " أي إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله كذبوا بها وهؤلاء أكذب الكذبة " من كفر بالله من بعد إيمانه " فعليهم غضب من الله على معنى التقديم
ثم إستثنى فقال " إلا من أكره " أي أكره على الكفر وتكلم بالكفر مكرها " وقلبه مطمئن بالإيمان " يقول قلبه معتقد عليه وهو عمار بن ياسر وأصحابه وذلك أن ناسا من أهل مكة آمنوا فخرجوا مهاجرين فأدركتهم قريش بالطريق فعذبوهم فكفروا مكرهين فنزلت هذه الآية فيهم وروى إبن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروي عن قتادة أنه قال ذكر لنا أن عمار بن ياسر أخذه بنو المغيرة فطرحوه في بئر ميمونة حتى أمسى فقالوا له اكفر بمحمد وأشرك بالله فتابعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت الآية وذكر أن النبي ﷺ رأى عمار بن ياسر وهو يبكي فجعل يمسح الدموع من عينيه ويقول أخذني الكفار ولم يتركوني حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال كيف وجدت قلبك قال مطمئن بالإيمان فقال إن عادوا فعد وقال مقاتل أسلم جبر مولى إبن الحضرمي فأخذه مولاه وعذبه حتى رجع إلى اليهودية ثم رجع إلى هؤلاء النفر فنزلت الآية " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "
ثم بين حال الذين ثبتوا على الكفر فقال " ولكن من شرح بالكفر صدرا " أي فتح صدره بالقبول يعني قبل الكفر طائعا وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ارتد ولحق بمكة " فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم " أي شديد في الآخرة " ذلك " العذاب " بأنهم إستحبوا الحياة الدنيا " أي اختاروا الدنيا " على الآخرة وأن الله لا يهدي " أي لا يرشد إلى دينه " القوم الكافرين " مجازاة لهم
سورة النحل ١٠٨ - ١١٠
قوله " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم " مجازاة لهم " وسمعهم وأبصارهم " أي ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم " وأولئك هم الغافلون " أي التاركون لأمر الله تعالى