٣٠١
ثم أثنى على نوح فقال تعالى " إنه كان عبدا شكورا " أي كان يحمد الله إذا أكل وشرب واكتسى ويقال الشكور هو المبالغ في الشكر أي كان شاكرا في الأحوال كلها
قوله " وقضينا إلى بني إسرائيل " يقول أعلمنا وبينا كقوله " وقضينا إليه ذلك الأمر " [ الحجر : ٦٠ ] أي أعلمناه وبيناه " في الكتاب " أي أخبرناهم في التوراة " لتفسدن في الأرض مرتين " أي لتعصن في الأرض ولتهلكن فيها مرتين " ولتعلن علوا كبيرا " أي لتقهرن قهرا شديدا
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه قال أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حتى بعث الله طالوت ومعه داود فقتله داود ثم ردت الكرة لبني إسرائيل ثم جاء وعد الآخرة من المرتين " ليسوؤا وجوهكم " [ الإسراء : ٧ ] أي يقبحوا وجوهكم وليدمروا تدميرا وهو بختنصر وإن عدتم عدنا فعادوا فبعث الله عليهم محمدا ﷺ فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وعد أولاهما جاءتهم فارس معهم بختنصر ثم رجعت فارس أي أهل فارس معهم ولم يكن قتال ونصرت بنو إسرائيل عليهم فذلك وعد الأولى فإذا كان وعد الآخرة جاءهم بختنصر ودمر عليهم
وروى أسباط عن السدي أن وعد الأولى كان ملك النبط فجاسوا خلال الديار ثم إن بني إسرائيل تجهزوا وغزوا النبط فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم فردت الكرة عليهم وكان بختنصر في ذلك الوقت يتيما في ذلك العسكر وخرج ليسأل شيئا فلما كبر وجمع الجيوش وجاءهم وخوفهم وخرب البلدة
قال القتبي إن بختنصر غزاهم فرغبوا إلى الله وتابوا فرد الله عنهم بعد أن فتحوا المدينة وجالوا في أسواقهم ثم أحدثوا فبعث الله إليهم أرميا النبي عليه السلام فقام فيهم بوحي الله فضربوه وقيدوه وحبسوه فبعث الله تعالى إليهم عند ذلك بختنصر ففعل ما فعل
وقال الكلبي لما عصوا الله تعالى وهو أول الفسادين سلط الله عليهم بختنصر خرج من بابل فأتاهم بالشام وظهر على بيت المقدس فقتل منهم أربعين ألفا ممن كان يقرأ التوراة وأدخل بقيتهم أرضه فمكثوا كذلك سبعين سنة حتى مات ثم إن رجلا من همدان يقال له كورش غزا أهل بابل فظهر عليهم وسكن الدار وتزوج إمرأة من بني إسرائيل وطلبت إلى زوجها أن يرد قومها إلى أرضهم ففعل فردهم إلى أرض بيت المقدس فمكثوا فيها فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه ثم عادوا فعصوا المرة الثانية فسلط الله عليهم ملكا من ملوك الروم يقال له إسبسيانوس فحاصرهم سنين ثم مات فبعث الله عليهم ابنه ططيوس بن إسبسيانوس الرومي فحاصرهم ثم بعد ذلك ملكهم فقتل منهم مائة ألف وثمانين ألفا حتى قتل يحيى بن زكريا وسبى منهم مثل ذلك وخرب بيت المقدس فلم يزل خرابا حتى بناه المؤمنون في زمن عمر
رضي الله عنه فذلك قوله " فإذا جاء وعد أولاهما " يقول أول الفسادين " بعثنا


الصفحة التالية
Icon