٣٦٩
جبريل وأن جبريل عليه السلام أدى إليه الرسالة من الله عز وجل قال الله تعالى " إنا نبشرك " وقد بين ذلك في سورة آل عمران " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى " [ آل عمران : ٣٩ ] ثم قال هنا " بغلام إسمه يحيى " " لم نجعل له من قبل سميا " يعني لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولدا يسمى يحيى ويقال لم يكن قبله أحد يسمى بذلك الإسم ويقال لم يكن بذلك الإسم في زمانه أحد وإنما سمي يحيى لأنه حي بالعلم والحكمة التي أوتيها ويقال لأنه حي به المجالس ويقال لأنه حيي به عقر أمه ويقال " لم نجعل له من قبل سميا " أي نظيرا ومثالا قرأ حمزة " نبشرك " بنصب النون وجزم الباء وضم الشين بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وضم النون ونصب الباء وكسر الشين " نبشرك "
فقال زكريا عند ذلك لجبريل عليه السلام " قال رب " يقول يا سيدي " أنى يكون لي غلام " يعني من أين يكون لي ولد ويقال إنما قال ذلك على وجه الدعاء لله تعالى فقال يا رب من أين يكون لي ولد " وكانت إمرأتي عاقرا " من الولد " وقد بلغت من الكبر عتيا " يقول تحول العظم مني يابسا ومنه يقال قلب عات إذا كان قاسي القلب غير لين ويقال لكل شيء إنتهى فقد عتى ولم يكن زكريا شاكا في بشارة الله عز وجل ولكن أحب أن يعلم من أي وجه يكون قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص والكسائي " عتيا " بكسر العين وكذلك " صليا " و " جثيا " " وبكيا " إلا أن عاصما خالفهما في " بكيا " وقرأ الباقون كلها بالضم وكان أبو عبيدة إختار الضم لأنه أفصح اللغتين وهي قراءة أبي رضي الله عنه
" قال " جبريل لزكريا " كذلك " يعني هكذا كما قلت إنك " قد بلغت من الكبر عتيا قال ربك هو على هين " يعني كما قلت أنك قد بلغت من الكبر عتيا ولكن الله عز وجل " قال هو علي هين " يعني خلقه علي يسير " وقد خلقتك من قبل " يعني من قبل يحيى " ولم تك شيئا " قرأ حمزة والكسائي " وقد خلقناك " بالنون مقدمة والألف مؤخرة وقرأ الباقون " خلقتك " وهو إختيار أبي عبيدة
قال زكريا عليه السلام " رب إجعل لي آية " في الولد روى أسباط عن السدي قال لما بشر زكريا عليه السلام جاءه الشيطان عليه اللعنة فقال إن هذاء النداء الذي نوديت ليس من الله عز وجل وإنما هو من الشيطان ليسخر بك ولو كان من الله عز وجل لأوحاه إليك كما كان يوحي إليك ف " قال " عند ذلك " رب إجعل لي آية " أعلم بها أن هذا النداء منك
" قال " الله تعالى له " آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " أي علامتك أن لا تستطيع أن تكلم الناس ثلاث ليال وأنت صحيح سليم من غير خرس ولا مرض ورجع تلك الليلة إلى إمرأته فقربها ووضع الولد في رحمها فلما أصبح إعتقل لسانه عن كلام
الناس