٥١٥
المسجد وقال بعضهم هم الذين يتجرون ولا تشغلهم تجارة عن الصلوات في مواقيتها وهذا أشبه لأنه قال " وإيتاء الزكاة " وأصحاب الصفة وأمثالهم لم يكن عليهم الزكاة وقال الحسن " رجال لا تلهيهم تجارة " أما أنهم كانوا يتجرون ولم تكن تشغلهم تجارة عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وروي عن إبن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا بياعاتهم وقاموا إلى الصلاة فقال هؤلاء من الذين " لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله "
ثم قال " يخافون يوما " يعني من اليوم الذي " تتقلب فيه القلوب والأبصار " يعني يتردد فيه القلوب والأبصار في الصدر إن كان كافرا فإنه يبلغ الحناجر من الخوف وإن كان تقيا مؤمنا تقول الملائكة " هذا يومكم الذي كنتم توعدون " [ الأنبياء : ١٠٣ ] فيتبين ما في قلبه في البصر وإن كان حزنا فحزن وإن كان سرورا فسرور ويقال " تتقلب " يعني تتحول حالا بعد حال مرة يعرفون ومرة لا يعرفون ويقال " تنقلب " يعني تتحول عما كانت عليه في الدنيا من الشك حين رأى بالمعاينة فيتحول قلبه وبصره من الشك إلى اليقين
ثم قال عز وجل " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا " يعني يجزيهم بإحسانهم ويقال يجزيهم أحسن وأفضل من أعمالهم وهو الجنة ويقال ويجزيهم أكثر من أعمالهم بكل حسنة عشرة وأضعافا مضاعفة ويقال يجزيه ويغفر له بأحسن أعماله ويبقى سائر أعماله فضلا
ثم قال " ويزيدهم من فضله " أي يرزقهم من عطائه " والله يرزق من يشاء بغير حساب " أي يرزقه ولا يحاسبه ويقال يرزقه رزقا لا يدرك حسابه ويقال ليس أحد يحاسبه فيما يعطي ويقال " بغير حساب " أي من غير حساب أي من حيث لا يحتسب
سورة النور ٣٩ - ٤٠
ثم ضرب مثلا لعمل الكفار فقال عز وجل " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة " يعني مثل أعمالهم الخبيثة في الآخرة " كسراب بقيعة " يعني كمثل سراب في مفازة ويقال قاع وقيعة وقيعان يعني أرضا مستوية كما يقال صبي وصبية وصبيان " يحسبه الظمآن ماء " يعني العطشان إذا رأى السراب من بعيد يعني يجده ماء " حتى إذا جاءه " يعني فإذا أتاه ليشرب منه " لم يجده شيئا " مما طلبه وأراده فكذلك الكافر يظن أنه يثاب في صدقته وعتقه وسائر أعماله فإذا جاءه يوم القيامة وجده هباء منثورا ولا ثواب له " ووجد الله عنده " أي يوم


الصفحة التالية
Icon