٥٧٤
ثم قال عز وجل " يا موسى إنه أنا الله " وذكر عن الفراء أنه قال هذه الهاء عماد وإنما يراد به وصل الكلام كما يقال إنما وما يكون للوصل كذلك ها هنا فكأنه قال يا موسى إني أنا الله " العزيز الحكيم " ويقال معناه إن الذي تسمع نداءه هو الله العزيز الحكيم
قوله عز وجل " وألق عصاك " يعني من يدك فألقاها فصارت حية وقد يجوز أن يضمر الكلام إذا كان في ظاهره دليل " فلما رآها تهتز " يعني تتحرك " كأنها جان " يعني حية والجان هي الحية الخفيفة الأهلية فإن قيل إنه قال في موضع آخر " فإذا هي ثعبان مبين " [ الأعراف : ١٠٧ ] والثعبان الحية الكبيرة فأجاب بعض أصحاب المعاني أنه كان في كبر الثعبان وفي خفة الجان قال الفقيه أبو الليث رحمه الله والجواب الصحيح أن الثعبان كان عند فرعون والجان عند الطور
ثم قال " ولى مدبرا " يعني أدبر هاربا من الخوف " ولم يعقب " يعني لم يرجع ويقال لم يلتفت
يقول الله تعالى لموسى " يا موسى لا تخف " من الحية " إني لا يخاف لدي المرسلون " يعني إلا من ظلم ثم إستثنى فقال " إلا من ظلم " قال مقاتل إلا من ظلم نفسه من المرسلين مثل آدم وسليمان وإخوة يوسف وداود وموسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ويقال " إلا من ظلم " يعني لكن من ظلم " ثم بدل حسنا " أي فعل إحسانا " بعد سوء " أي بعد إساءته " فإني غفور رحيم " قال الكلبي " إلا من ظلم " يعني أشرك فهذا الذي يخاف " ثم بدل حسنا " يعني توحيدا بعد سوء يعني بعد شرك " فإني غفور رحيم "
قال أبو الليث رحمه الله وتكون إلا على هذا التفسير بمعنى لكن لا على وجه الإستثناء وذكر عن الفراء أنه قال الإستثناء وقع في معنى مضمر من الكلام كأنه قال لا يخاف لدي المرسلون بل غيرهم يخاف " إلا من ظلم نفسه ثم تاب " فإنه لا يخاف
وقال القتبي هذا لا يصح لأن الإضمار يصح إذا كان في ظاهره دليل ولكن معناه أن الله تعالى لما قال " إني لا يخاف لدي المرسلون " علم أن موسى كان مستشعرا خيفة من قبل القبطي فقال " إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء " فإنه يخاف ولكني أغفر له " فإني غفور رحيم "
ثم قال عز وجل " وأدخل يدك في جيبك " يعني جيب المدرعة ثم أخرجها " تخرج بيضاء من غير سوء " يعني من غير برص " في تسع آيات " يعني هذه الآية من تسع آيات كما تقول أعطيت لفلان عشرة أبعرة فيها فحلان أي منها وقد بين في موضع آخر حيث قال " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " [ الإسراء : ١٠١ ] وقد ذكرناها " إلى فرعون " يعني إذهب إلى فرعون " وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " يعني إنهم كانوا قوما عاصين


الصفحة التالية
Icon