٨٢
قوله " وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها " " قرى ظاهرة " ثم عادوا إلى الكفر فأتاهم الرسل فذكروهم نعمة الله فكذبوهم فمزقهم الله كل ممزق
وقال غيره " وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها " هذا حكاية عما كانوا فيه من قبل أن يرسل عليهم سيل العرم " قرى ظاهرة " يعني متصلة على الظهور من حيث يرى بعضها من بعض " وقدرنا فيها السير " للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية " سيروا فيها " يعني ليسيروا فيها
اللفظ لفظ الأمر والمراد به الشرط والجزاء
فلم يشكروا ربهم فسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض
" فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا " وقد كانوا في قراهم منعمين آمنين فذلك قوله " ليالي وأياما آمنين " يعني أنهم كانوا يسيرون من قرية إلى قرية بالليل والنهار آمنين من الجوع والعطش واللصوص والسباع
قرأ ابن كثير وأبو عمرو " بعد " بغير ألف وتشديد العين وقرأ الباقون " باعد " بالألف وهما لغتان بعد باعد
وقرأ يعقوب الحضرمي وكان من أهل البصرة " ربنا " بضم الباء " باعد " بنصب العين وهو على معنى الخبر
وروى الكلبي عن أبي صالح أنه قرأ هكذا معناه وقالوا " ربنا باعد بين أسفارنا " فلذلك لا ينصب
ثم قال " وظلموا أنفسهم " بالشرك وتكذيب الأنبياء " فجعلناهم أحاديث " يعني أهلكهم الله تعالى فصاروا أحاديث للناس يتحدثون في أمرهم وشأنهم لم يبق أحد منهم في تلك القرى " ومزقناهم كل ممزق " أي فرقناهم في كل وجه فألقى الله الأزد بعمان والأوس والخزرج بالمدينة وهما أخوان وأهل المدينة كانوا من أولادهما إحدى القبيلتين الخزرج والأخرى ألاوس فسموا باسم أبيهم
وخزاعة بمكة كانوا بنو خزاعة منهم لخم وجذام بالشام ويقال كلب وغسان " إن في ذلك " يعني في هلاكهم وتفريقهم " لآيات " أي لعبرات " لكل صبار شكور " يعني للمؤمنين الذين صبورا على طاعة الله تعالى وشكروا نعمته
قوله عز وجل " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " يعني على أهل سبأ ويقال هذا ابتداء يعني جميع الكفار
وذلك أن إبليس قد قال " قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " [ ص ٨٢ - ٨٣ ] فكان ذلك ظنا منه فصدق ظنه " فاتبعوه إلا فريقا " يعني طائفة " من المؤمنين " وهم الذين قال الله تعالى " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " [ الحجر ٤٢ ] وقال سعيد بن جبير كان ظنه أنه قال أنا ناري وآدم طيني والنار تأكل الطين
وكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر " ولقد صدق " بالتخفيف يعني صدق في ظنه وقرأ الباقون " صدق " بالتشديد يعني صار ظنه صدقا
قوله عز وجل " وما كان له عليهم من سلطان " يعني لم يكن له عليهم ملك
يقهرهم
وقال الحسن البصري رحمه الله والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شيء وما كان إلا


الصفحة التالية
Icon