" صفحة رقم ١٠٤ "
الذي سلكته إن شاء الله تعالى، وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ، وتجنبت كثيراً من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ. وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى، وعلى علي كرم الله وجهه، وعلى ذريته، ويسمونه علم التأويل، وقد وقفت على تفسير لبعض رؤوسهم، وهو تفسير عجيب يذكر فيه أقاويل السلف مزدرياً عليهم، وذاكراً أنه ما جهل مقالاتهم، ثم يفسر هو الآية على شيء لا يكاد يخطر في ذهن عاقل، ويزعم أن ذلك هو المراد من هذه الآية، وهذه الطائفة لا يلتفت إليها، وقد رد أئمة المسلمين عليهم أقاويلهم وذلك مقرر في علم أصول الدين، نسأل الله السلامة في عقولنا وأدياننا وأبداننا، وكثيراً ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب، بعلل النحو، ودلائل أصول الفقة، ودلائل أصول الدين، وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلماً في علم التفسير دون استدلال عليه، وكذلك أيضاً ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول، وأحاديث في الفضائل، وحكايات لا تناسب، وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير، ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة وأحكامها قبل التركيب، وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة، وارتقى إلى تمييز حسن تركيبها وقبحه، فلن يحتاج في فهم ما تركب من تلك الألفاظ إلى مفهم ولا معلم، وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه، فلذلك اختلفت أفهامهم، وتباينت أقوالهم، وقد جرينا الكلام يوماً مع بعض من عاصرنا، فكان يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تراكبيه، بالإسناد إلى ( ( مجاهد ) ) و ( ( طاوس ) ) و ( ( عكرمة ) ) وأضرابهم، وأن فهم الآيات متوقف على ذلك، والعجب له أنه يرى أقوال هؤلاء كثير ة الاختلاف، متباينة الأوصاف، متعارضة ينقض بعضها بعضاً، ونظير ما ذكره هذا المعاصر أنه لو تعلم أحدنا مثلاً لغة الترك إفراداً وتركيباً حتى صار يتكلم بتلك اللغة، ويتصرف فيها نثراً ونظماً، ويعرض ما تعلمه على كلامهم فيجده مطابقاً للغتهم، قد شارك فيها فصحاءهم، ثم جاءه كتاب بلسان الترك، فيحجم عن تدبره وعن فهم ما تضمنه من المعاني، حتى يسأل عن ذلك ( ( سنقرأ ) ) التركي ( ( أو سنجراً ) )، ترى مثل هذا يعد من العقلاء، وكان هذا المعاصر يزعم أن كل آية نثل فيها التفسير خلف عن سلف بالسند إلى أن وصل ذلك إلى الصحابة، ومن كلامه أن الصحابة سألوا رسول الله ( ﷺ ) عن تفسيرها هذا وهم العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلسانهم، وقد روي : عن ( ( علي ) ) كرم الله وجهه ) )، وقد سئل هل خصكم رسول الله ( ﷺ ) بشيء ؟ فقال : ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة، أو فهماً يؤتاه الرجل في كتابه، وقول هذا المعاصر يخالف قول علي رضي الله عنه، وعلى قول هذا المعاصر يكون ما استخرجه الناس بعد التابعين من علوم التفسير ومعانيه ودقائقة وإظهارا ما احتوى عليه من علم الفصاحة والبيان والإعجاز لا يكون تفسيراً، حتى ينقل بالسند إلى مجاهد ونحوه وهذا كلام ساقط.


الصفحة التالية
Icon