" صفحة رقم ١١٠ "
إنما هو بصرف الله تعالى إياهم عن معارضته ومناضلته، وإن كانوا قادرين على مماثلته، والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء حين رأت زوجها يطأ جارية فعاتبته فأخبر أنه ما وطئها، فقالت له إن كنت صادقاً فاقرا شيئاً من القرآن، فأنشدها بيت شعر قاله ذكر الله فيه ورسوله فصدقته، فلم تزرق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق.
وحكى لنا أستاذنا العلامة ( ( أبو جعفر ) ) - رحمه الله تعالى - عن بعض من كان له معرفة بالعلوم القديمة، ومعرفة بكثير من العلوم الإسلامية، أنه كان يقول له يا أبا جعفر لا أدرك فرقاً بين القرآن وبين غيره من الكلام، فهذا الرجل وأمثاله من علماء المسلمين يكون من الطائفة الذين يقولون بأن الإعجاز وقع بالصرفة، وكان بعض شيوخنا من له تحقق بالمعقول، وتصرف في كثير من المنقول، إذا أراد أن يكتب فقرأ فصيحة أتى لبعض تلامذته وكلفة أن ينشئها له، وكان بعض شيوخنا ممن له التبحر في علم لغة العرب إذا أسقط من بيت الشعر كلمة، أو ربع البيت، وكان المعين بدون ما أسقط لا يدرك ما أسقط من ذلك، وأين هذا في الإدراك من آخر إذا حركت له مسكناً أو سكنت له محركاً في بيت أدرك ذلك بالطبع، وقال إن هذا البيت مكسور، ويدرك ذلك في أشعار العرب الفصحاء إذا كان فيه زحاف ما، وإن كان جائزاً في كلام العرب، لكن يجد مثل هذا طبعه ينبو عنه ويقلق لسماعه هذا وإن كان لا يفهم معنى البيت لكونه حوشء اللغات، أو منطويا على حوشي، فهذه كلها من مواهب الله تعالى لا تؤخذ باكتساب، لكن الاكتساب يقويها وليس العرب متساوين في الفصاحة، ولا في إدراك المعاني ولا في نظم الشعر، بل فيهم من يكسر الوزن ومن لا ينظم ولا بيتاً واحداً، ومن هو مقل من النظم، وطباعهم كطباع سائر الأمم في ذلك، حتى فحول شعرائهم يتفاوتون في الفصاحة، وينفتح الشاعر منهم القصيدة حولاً حتى يسمى قصائد الحوليات فهم مختلفون في ذلك، وكذلك كان بعض الكفار حين سمع القرآن أدرك إعجازه للوقت، فوفق وأسلم، وآخر أدرك إعجازه فكفر، ولج في عناده ) بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ( [ البقرة : ٩٠ ]، فنسبه تارة إلى الشعر وتارة إلى الكهانة والسحر، وآخر لم يدرك إعجاز القرى ن كتلك المرأة العربية التي قدمنا ذكرها، وكحال أكثر الناس فإنهم لا يدركون إعجاز القرآن من جهة الفصاحة، ممن أدرك إعجازه فوق وأسلم بأول سماع سمعه ( ( أبو ذر ) ) إعجازه وكفر عناداً ( ( عتبة بن ربيعة ) )، وكان من عقلاء الكفار حتى كان يتوهم ( ( أمية بن الصلت ) ) أنه هو يعني عتبة يكون النبي المنبعث في ( ( قريش ) )، فلما بعث الله محمدً ( ﷺ ) حسده عتبة، وأضرابه مع علمهم بصدقة وأن ما جاء به معجز، وكذلك ( ( الوليد بن المغيرة ) )، روى عنه أنه قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً، ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى، ومع هذا الاعتراف غلب عليه الحسد والأشر، حتى قال ما حكى الله عنه ) إن هذا إلا سحر يؤثر عن هذا إلا قول البشر ( [ المدثر : ٢٥ ] وممن


الصفحة التالية
Icon