" صفحة رقم ١٦٧ "
وضاح آخر الماضي في قوله :
إنما شعري قيد، قد خلط بخلجان
ثم حذف همزة إلى ونقل كسرتها إلى لام أنزل فالتقى المثلان من كلمتين، والإدغام جائز فأدغم. وقرأ الجمهور : يوقنون بواو ساكنة بعد الياء وهي مبدلة من ياء لأنه من أيقن. وقرأ أبو حية النمري بهمزة ساكنة بدل الواو، كما قال الشاعر : لحب المؤقذان إلى موسى
وجعدة إذ أضاءهما الوقود
وذكر أصحابنا أن هذا يكون في الضرورة، ووجهت هذه القراءة بأن هذه الواو لما جاورت المضموم فكان الضمة فيها، وهم يبدلون من الواو المضمومة همزة، قالوا وفي وجوه ووقتت أجوه وأقتت، فأبدلوا من هذه همزة، إذ قدروا الضمة فيها وإعادة الموصول بحرف العطف يحتمل المغايرة في الذات وهو الأصل، فيحتمل أن يراد مؤمنوا أهل الكتاب لإيمانهم بكل وحي، فإن جعلت الموصول معطوفاً على الموصول اندرجوا في جملة المتقين، إن لم يرد بالمتقين بوصفه مؤمنوا العرب، وذلك لانقسام المتقين إلى القسمين. وإن جعلته معطوفاً على المتقين لم يندرج لأنه إذ ذاك قسيم لمن له الهدى لا قسم من المتقين. ويحتمل المغايرة في الوصف، فتكون الواو للجمع بين الصفات، ولا تغاير في الذواب بالنسبة للعطف وحذف الفاعل في قراءة الجمهور، وبني الفعلان للمفعول للعلم بالفاعل، نحو : أنزل المطر، وبناؤهما للفاعل في قراءة النخعي، وأبي حيوة، ويزيد بن قطيب، فاعله مضمر، قيل : الله أو جبريل. قالوا : وقوة الكلام تدل على ذلك وهو عندي من الالتفات لأنه تقدم قوله :) وَمِمَّا (، فخرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، إذ لو جرى على الأول لجاء ) بِمَا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ (، ( وَمَا أَنزَلْنَا مِن قَبْلِكَ (، وجعل صلة ما الأولى ماضية لأن أكثره كان نزل بمكة والمدينة، فأقام الأكثر مقام الجميع، أو غلب الموجود لأن الإيمان بالمتقدم الماضي يتقتصي الإيمان بالمتأخر، لأن موجب الإيمان واحد. وأما صلة الثانية فمتحققة المضي ولم يعد حرف الجر فيما الثانية ليدل أنه إيمان واحد، إذ لو أعاد لأشعر بأنهما إيمانان.
وبالآخرة : تقدم أن المعنى بها الدار الآخرة للتصريح بالموصوف في بعض الآي، وحمله بعضهم على النشأة الآخرة، إذ قد جاء أيضاً مصرحاً بهذا الموصوف، وكلاهما يدل على البعث. وأكد أمر الآخرة بتعلق الإيقان بها الذي هو أجلى وآكد مراتب العلم والتصديق، وإن كان في الحقيقة لا تفاوت في العلم والتصديق دفعاً لمجاز إطلاق العلم، ويراد به الظن، فذكر أن الإيمان والعلم بالآخرة لا يكون إلا إيقاناً لا يخالطه شيء من الشك والارتياب. وغاير بين الإيمان بالمنزل والإيمان بالآخرة في اللفظ لزوال كلفة لتكرار، وكان الإيقان هو الذي خص بالآخرة لكثرة غرائب متعلقات الآخرة، وما أعد فيها من الثواب والعقاب السرمديين، وتفصيل أنواع التنعيم والتعذيب، ونشأة أصحابها على خلاف النشأة الدنيوية ورؤية الله تعالى. فالآخرة أغرب في الإيمان بالغيب من