" صفحة رقم ١٨٦ "
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
جعل انتصاره جهلاً، ويؤيد هذا المنزع هنا أنه قد يجيء من واحد : كعاقبت اللص، وطارقت النعل. ويحتمل أن تكون المخادعة على بابها من اثنين، فهم خادعون أنفسهم حيث منوهاً الأباطيل، وأنفسهم خادعتهم حيث منتهم أيضاً ذلك، فكأنها مجاورة بين اثنين، وقال الشاعر : تذكر من أني ومن أين شربه
يؤامر نفسيه لذي البهجة الإبل
وأنشد ابن الأعرابي : لم تدر ما ولست قائلها
عمرك ما عشت آخر الأبد
ولم تؤامر نفسيك ممتريا
فيها وفي أختها ولم تلد
وقال : يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة
أيستوبع الذوبان أم لا يطورها
وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي : وكنت كذات الضي لم تدر إذ بغت
تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني
ففي هذه الأبيات قد جعل للشخص نفسين على معنى الخاطرين، ولها جنسين، أو يكون فاعل بمعنى فعل، فيكون موافقاً لقراءة : وما يخدعون. وتقول العرب : خادعت الرجل، أعملت التحيل عليه فخدعته، أي تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد، خِدعاً، بكسر الخاء في المصدر وخديعة، حكاه أبو زيد. فالمعنى : وما ينفذ السوء إلا على أنفسهم، والمراد بالأنفس هنا : ذواتهم. فالفاعل هو المفعول، وقد ادعى بعضهم أن هذا من المقلوب وأن المعنى : وما يخادعهم إلا أنفسهم قال : لأن الإنسان لا يخدع نفسه، بل نفسه هي التي تخدعه وتسوّل له وتأمره بالسوء. وأورد أشياء مما قلبته العرب، وللنحويين في القلب مذهبان : أحدهما : أنه يجوز في الكلام والشعر اتساعاً واتكالاً على فهم المعنى.