" صفحة رقم ١٩٠ "
الكوفيون، فالفعل غير متعد، ومن قرأ بالتشديد، وهم الحرميان، والعربيان، فالمفعول محذوف لفهم المعنى تقديره فكونهم يكذبون الله في أخباره والرسول فيما جاء به، ويحتمل أن يكون المشدد في معنى المخفف على جهة المبالغة، كما قالوا في : صدق صدق، وفي : بان الشيء بين، وفي : قلص الثوب قلص.
والكذب له محامل في لسان العرب : أحدها : الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، وعمرو بن بحر يزيد في ذلك أن يكون المخبر عالماً بالمخالفة، وهي مسألة تكلموا عليها في أصول الفقه. الثاني : الإخبار بالذي يشبه الكذب ولا يقصد به إلا الحق، قالوا : ومنه ما ورد في الحديث عن إبراهيم صلوات الله عليه وعلى نبينا. الثالث : الخطأ، كقول عبادة فيمن زعم : أن الوتر واجب، كذب أبو محمد أي أخطأ. الرابع : البطول، كقولهم : كذب الرجل، أي بطل عليه أمله وما رجا وقدر. الخامس : الإغراء بلزوم المخاطب الشيء المذكور، كقولهم : كذب عليك العسل، أي أكل العسل، والمغرى به مرفوع بكذب، وقالوا : لا يجوز نصبه إلا في حرف شاذ، ورواه القاسم بن سلام عن معمر بن المثنى، والمؤثم هو الأول.
وقد اختلف الناس في الكذب فقال قوم : الكذب كله قبيح لا خير فيه، وقالوا : سئل مالك عن الرجل يكذب لزوجته ولابنه تطييباً للقلب فقال : لا خير فيه. وقال قوم : الكذب محرم ومباح، فالمحرم الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه إذا لم يكن في مراعاته مصلحة شرعية، والمباح ما كان فيه ذلك، كالكذب لإصلاح ذات البين.
وذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات خلافاً، قال قوم : نزلت في منافقي أهل الكتاب، كعبد الله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، والجد بن قيس، حين قالوا : تعالوا إلى خلة نسلم بها من محمد وأصحابه ونتمسك مع ذلك بديننا، فأظهروا الإيمان باللسان واعتقدوا خلافه. ورواه أبو صالح، عن ابن عباس، وقال قوم : نزلت في منافقي أهل الكتاب وغيرهم، رواه السدي عن ابن مسعود، وابن عباس، وبه قال أبو العالية، وقتادة، وابن زيد
٢ ( ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَاكِن لاَّ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ( ) ) ٢
) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (،
البقرة :( ١١ ) وإذا قيل لهم.....
إذا : ظرف زمان، ويغلب كونها شرطاً، وتقع للمفاجأة ظرف زمان وفاقاً للرياشي، والزجاج، لا ظرف مكان خلافاً للمبرد، ولظاهر مذهب سيبويه، ولا حرفاً خلافاً للكوفيين. وإذا كانت حرفاً، فهي لما تيقن أو رجح وجوده، ويجزم بها في الشعر، وأحكامها مستوفاة في علم النحو. الفعل الثلاثي الذي انقلب عين فعله ألفاً في الماضي، إذا بني للمفعول، أخلص كسر


الصفحة التالية
Icon