" صفحة رقم ٢٢٦ "
وأحكام كل كثيرة. وقد ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير الذي سميناه بالتذكرة، وسردنا منها جملة لينتفع بها، فإنها تكررت في القرآن كثيراً.
المشي : الحركة المعروفة. لو : عبارة سيبويه، إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وهو أحسن من قول النحويين إنها حرف امتناع لامتناع لاطراد تفسير سيبويه، رحمه الله، في كل مكان جاءت فيه لو، وانخرام تفسيرهم في نحو : لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً، إذ على تفسير الإمام يكون المعنى ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية، إذ الأخص مستلزم الأعم، وعلى تفسيرهم ينخرم ذلك، إذ يكون المعنى ممتنع الحيوانية لأجل امتناع الإنسانية، وليس بصحيح، إذ لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية، إذ توجد الحيوانية ولا إنسانية. وتكون لو أيضاً شرطاً في المستقبل بمعنى أن، ولا يجوز الجزم بها خلافاً لقوم، قال الشاعر : لا يلفك الراجوك إلا مظهرا
خلق الكرام ولو تكون عديماً
وتشرب لو معنى التمني، وسيأتي الكلام على ذلك عند قوله تعالى :) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً تُطِعْ مِنْهُمْ (، إن شاء الله تعالى، ولا تكون موصولة بمعنى أن خلافاً لزاعم ذلك. شاء : بمعنى أراد، وحذف مفعولها جائز لفهم المعنى، وأكثر ما يحذف مع لو، لدلالة الجواب عليه. قال الزمخشري : ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد، يعني حذف مفعوليهما، قال : لا يكادون يبرزون هذا المفعول إلا في الشيء المستغرب، نحو قوله :
فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته
وقوله تعالى :) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ (، و ) لَوْ رَادَّ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى (، انتهى كلامه. قال صاحب التبيان، وذلك بعد أن أنشد قوله : فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
متى كان مفعول المشيئة عظيماً أو غريباً، كان الأحسن أن يذكر نحو : لو شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، وسر ذكره أن السامع منكر لذلك، أو كالمنكر، فأنت تقصد إلى إثباته عنده، فإن لم يكن منكراً فالحذف نحو : لو شئت قمت. وفي التنزيل :) لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَاذَا (، انتهى. وهو موافق لكلام الزمخشري. وليس ذلك عندي على ما ذهبنا إليه من أنه إذا كان في مفعول المشيئة غرابة حسن ذكره، وإنما حسن ذكره في الآية والبيت من حيث عود الضمير، إذ لو لم يذكر لم يكن للضمير ما يعود عليه، فهما تركيبان فصيحان، وإن كان أحدهما أكثر. فأحدهما الحذف ودلالة الجواب على المحذوف، إذ يكون المحذوف مصدراً دل عليه الجواب، وإذا كانوا قد حذفوا أحد جزأي الإسناد، وهو الخبر في نحو : لولا زيد لأكرمتك، للطول بالجواب، وإن كان المحذوف من غير جنس المثبت فلأن يحذف المفعول الذي هو فضلة لدلالة الجواب عليه، إذ هو مقدر من جنس المثبت أولى.


الصفحة التالية
Icon