" صفحة رقم ٢٨٢ "
تعدى سوى لواحد هو المعلوم في اللغة، ( فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (، ( قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ ). وأما جعلها بمعنى صير، فغير معروف في اللغة. وأجازوا أيضاً النصب على الحال، فتلخص في نصب سموات أوجه البدل باعتبارين، والمفعول به، ومفعول ثان، وحال، والمختار البدل باعتبار عود الضمير على ما قبله والحال، ويترجح البدل بعدم الاشتقاق.
وقد اختلف أهل العلم في أيهما خلق قبل، فمنهم من قال : السماء خلقت قبل الأرض، ومنهم من قال : الأرض خلقت قبل السماء، وكل تعلق في الاستدلال بظواهر آيات يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى. والذي تدل عليه هذه الآية أن خلق ما في الأرض لنا متقدم على تسوية السماء سبعاً لا غير، والمختار أن جرم الأرض خلق قبل السماء، وخلقت السماء بعدها، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء وبهذا يحتمل الجمع بين الآيات. وقال بعضهم : وإنما خلق السموات سبعاً، لأن السبعة والسبعين فيه دلالة على تضاعيف القوة والشدة، كأنه ضوعف سبع مرات. ومن شأن العرب أن يبالغوا بالسبعة والسبعين من العدد، لما في ذكرها من دليل المضاعفة. قال تعالى :) ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً (، ( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً (، والسبعة تذكر في جلائل الأمور : الأيام سبعة، والسموات سبع، والأرضين سبع، والنجوم التي هي أعلام يستدل بها سبعة : زحل، والمشتري، وعطارد، والمريخ، والزهرة، والشمس، والقمر، والبحار سبعة، وأبواب جهنم. وتسكين الهاء في هو وهي بعد الواو والفاء واللام وثم جائز، وقل بعد كاف الجر وهمزة الاستفهام، وندر بعد لكن، في قراءة أبي حمدون، لكن هو الله ربي، وهو تشبيه بتسكين سبع وكرش، شبه الكلمتان بالكلمة. ) وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ ( : وقرأ بتسكين ) وَهُوَ ( أبو عمرو والكسائي وقالون، وقرأ الباقون بضم الهاء على الأصل. ووقف يعقوب على وهو بالهاء نحو : وهوه ) بِكُلّ ( متعلق بقوله :) عَلِيمٌ (، وكان القياس التعدي باللام حالة التقديم، أو بنفسه. وأما حالة التأخير فبنفسه لأنه من فعل متعد، وهو أحد الأمثلة الخمسة التي للمبالغة، وقد حدث فيها بسبب المبالغة من الأحكام في فعلها ولا في اسم الفاعل، وذلك أن هذا المبني للمبالغة المتعدي، إما أن يكون فعله متعدياً بنفسه، أو بحرف جر، فإن كان متعدياً بحرف جر تعدى المثال بحرف الجر نحو : زيد صبور على الأذى زهيد في الدنيا، لأن صبر يتعدى بعلى، وزهد يتعدى بفي، وإن كان متعدياً بنفسه. فإما أن يكون ما يفهم علماً وجهلاً، أو لا. إن كان مما يفهم علماً أو جهلاً تعدى المثال بالباء نحو : زيد عليم بكذا، وجهول بكذا، وخبير بذلك، وإن كان لا يفهم علماً ولا جهلاً فيتعدى باللام نحو قوله تعالى :) فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ ( وفي تعديها لما بعدها بغير الحرف ونصبها له خلاف مذكور في النحو، وإنما خالفت هذه الأمثلة التي للمبالغة أفعالها المتعدية بنفسه، لأنها بما فيها من المبالغة أشبهت أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل حكمه هكذا. قال تعالى :) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ (، وقال الشاعر :
أعطى لفارهة حلو مراتعها
وقال :
أكر وأحمى للحقيقة منهم


الصفحة التالية
Icon