" صفحة رقم ٣٠٣ "
وقال قوم : إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه، فالسجود امتثال لأمر الله، والسجود له، قاله مقاتل، والقرآن يرد هذا القول. وقال قوم : كان سجود الملائكة مرتين. قيل : والإجماع يرد هذا القول، والظاهر أن السجود هو بالجبهة لقوله :) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ). وقيل : لا دليل في ذلك، لأن الجاثي على ركبتيه واقع، وأن السجود كان لآدم على سبيل التكرمة، وقال بعضهم : السجود لله بوضع الجبهة، وللبشر بالانحناء، انتهى. ويجوز أن يكون السجود في ذلك الوقت للبشر غير محرم، وقد نقل أن السجود كان في شريعة من قبلنا هو التحية، ونسخ ذلك في الإسلام. وقيل : كان السجود لغير الله جائزاً إلى زمن يعقوب، ثم نسخ، وقال الأكثرون : لم ينسخ إلى عصر رسول الله ( ﷺ ) ). وروي أنه ( ﷺ ) ) قال في حديث عرض عليه الصحابة أن يسجدوا له :( لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين )، وأن معاذاً سجد للنبي ( ﷺ ) ) فنهاه عن ذلك. قال ابن عطاء : لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم بذلك استغناءه عنهم وعن عبادتهم.
( فَسَجَدُواْ (، ثم : محذوف تقديره : فسجدوا له، أي لآدم. دل عليه قول :) اسْجُدُواْ لاِدَمَ (، واللام في لآدم للتبيين، وهو أحد المعاني السبعة عشر التي ذكرناها عند شرح ) الْحَمْدُ للَّهِ ). ) إِلاَّ إِبْلِيسَ ( : هو مستنثى من الضمير في فسجدوا، وهو استثناء من موجب في نحو هذه المسألة فيترجح النصب، وهو استثناء متصل عند الجمهور : ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب وقتادة وابن جريج، واختاره الشيخ أبو الحسن والطبري، فعلى هذا يكون ملكاً ثم أبلس وغضب عليه ولعن فصار شيطاناً. وروى في ذلك آثار عن ابن عباس وقتادة وابن جبير، وقد اختلف في اسمه فقيل : عزازيل، وقيل : الحارث. وقيل : هو استثناء منقطع، وأنه أبو الجن، كما أن آدم أبو البشر، ولم يكن قط ملكاً، قاله ابن زيد والحسن، وروي عن ابن عباس. وروي عن ابن مسعود وشهر بن حوشب : أنه من الجن الذين كانوا في الأض وقاتلتهم الملائكة، فسبوه صغيراً وتعبد مع الملائكة وخوطب معهم، واستدل على أنه ليس من الملائكة بقوله تعالى :) جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً ( فعم، فلا يجوز على الملائكة الكفر ولا الفسق، كما لا يجوز على رسله من البشر، وبقوله :) لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (، وبقوله :) كَانَ مِنَ الْجِنّ (، وبأن له نسلاً، بخلاف الملائكة، والظاهر أنه استثناء متصل لتوجه الأمر على الملائكة، فلو لم يكن لما توجه الأمر عليه، فلم يقع عليه ذم لتركه فعل ما لم يؤمر به. وأما جاعل الملائكة رسلاً، ولا يعصون الله ما أمرهم، فهو عام مخصوص، إذ عصمتهم ليست لذاتهم، إنما هي بجعل الله لهم ذلك، وأما إبليس فسلبه الله تعالى الصفات الملكية وألبسه ثياب الصفات الشيطانية. وأما قوله تعالى :) كَانَ مِنَ الْجِنّ (، فقال قتادة : هم صنف من الملائكة يقال لهم الجنة. وقال ابن جبير : سبط من الملائكة خلقوا من نار، وإبليس منهم، أو أطلق عليه من الجن لأنه لا يرى، كما سمي الملائكة جنة، أو لأنه سمي باسم ما غلب عليه، أو بما كان من فعله، أو لأن الملائكة تسمى جنَّاً. قال الأعشى في ذكر سليمان على نبينا وعليه السلام :