" صفحة رقم ٣١٩ "
وهي تابعة له في ذلك. فكملت القصة بذكره وحده، كما جاء في قصة موسى والخضر، إذ جاء ) حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى (، فحملاها بغير نول، وكان مع موسى يوشع، لكنه كان تابعاً لموسى فلم يذكره ولم يجمع معهما في الضمير، أو اكتفى بذكر أحدهما، إذ كان فعلهما واحداً، نحو قوله تعالى :) لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ (، ( فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (، أو طوى ذكرها كما طواه عند ذكر المعصية في قوله :) وَعَصَى ءادَمَ رَبَّهُ فَغَوَى ).
وقد جاء طي ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة، وقد ذكرها في قوله :) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا (، وإنما لم يراع هذا الستر في امرأتي نوح ولوط لأنهما كانت كافرتين، وقد ضرب بهما المثل للكفار، لأن ذنوبهما كانت غاية في القبح والفحش. والكافر لا يناسب الستر عليه ولا الإغضاء عن ذنبه، بل ينادي عليه ليكون ذلك أخزى له وأحط لدرجته. وحوّاء ليست كذلك، ولأن معصيتهما تكرّرت واستمرّ منهما الكفر والإصرار على ذلك، والتوبة متعذرة لما سبق في علم الله أنهما لا يتوبان، وليست حوّاء كذلك لخفة ما وقع منها، أو لرجوعها إلى ربها، ولأن التبكيت للمذنب شرع رجاء الإقلاع، وهذا المعنى معقود فيهما، وذكرهما بالإضافة إلى زوجيهما فيه من الشهرة ما لا يكون في ذكر اسميهما غير مضافين إليهما. وتوبة العبد : رجوعه عن المعصية، وتوبة الله على العبد : رجوعه عليه بالقبول والرحمة. واختلف في التوبة المطلوبة من العبد، فقال قوم : هي الندم، أخذاً بظاهر قوله ( ﷺ ) ) :( الندم توبة ) وقال قوم : شروطها ثلاثة : الندم على ما فات، والإقلاع عنه، والعزم على أن لا يعود. وتأولوا : الندم توبة على معظم التوبة نحو : الحج عرفة، وزاد بعضهم في الشروط، برد المظالم إذا قدر على ردها، وزاد بعضهم : المطعم الحلال، وقال القفال : لا بد مع تلك الشروط الثلاثة من الإشفاق فيما بين ذلك، وذلك أنه مأمور بالتوبة، ولا سبيل له إلى القطع بأنه أتى بها كما لزمه، فيكون خائفاً. ولهذا جاء يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
روي عن ابن عباس أن آدم وحوّاء بكيا على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة. وقد ذكروا في كثرة دموع آدم وداود شيئاً يفوت الحصر كثرة. وقال شهر بن حوشب : بلغني أن آدم لما أهبط إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى. وروي أن الله تعالى تاب على آدم في يوم عاشوراء. وقرأ الجمهور ) أَنَّهُ ( : بكسر الهمزة، وقرأ نوفل بن أبي عقرب : أنه بفتح الهمزة، ووجهه أنه فتح على التعليل، التقدير : لأنه، فالمفتوحة مع ما بعدها فضلة، إذ هي في تقدير مفرد ثابت واقع مفروغ من ثبوته لا يمكن فيه نزاع منازع، وأما الكسر فهي جملة ثابتة تامة أخرجت مخرج الإخبار المستقل الثابت، ومع ذلك فلها ربط معنوي بما قبلها، كما جاءت في :) وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ (، ( اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ (، ( وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ (، حتى لو وضعت الفاء التي تعطي الربط مكانها أغنت عنها، وقالوا : إن أن إنما تجيء لتثبيت ما يتردد المخاطب في ثبوته ونفيه، فإن قطع بأحد الأمرين، فليس من مظانها، فإن وجدت داخلة على ما قطع فيه بأحد الأمرين ظاهراً، فيكون ذلك لتنزيله منزلة المتردد فيه لأمر ما، وسيأتي الكلام على ذلك في نحو :) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيّتُونَ ( إن شاء الله.
ولما دخلت للتأكيد في قوله :) إِنَّهُ هُوَ التَّوَّاب