" صفحة رقم ٣٢٨ "
على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لأنهم بعدما أوتوا من البيان الواضح والدليل اللائح، المذكور ذلك في التوراة والإنجيل، من الإيفاء بالعهد والإيمان بالقرآن، ظهر منهم ضد ذلك بكفرهم بالقرآن ومن جاء به، وأقبل عليهم بالنداء ليحركهم لسماع ما يرد عليهم من الأوامر والنواهي، نحو قوله :) مِنْهُمْ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ وَيَئَادَمُ اسْكُنْ ).
وقد تقدم الإشارة إلى ذلك، وأضافهم إلى لفظ إسرائيل، وهو يعقوب، ولم يقل : يا بني يعقوب، لما في لفظ إسرائيل من أن معناه عبد الله أو صفوة الله، وذلك على أحسن تفاسيره، فهزهم بالإضافة إليه، فكأنه قيل : يا بني عبد الله، أو يا بني صفوة الله، فكان في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في الخير، كما تقول : يا ابن الرجل الصالح أطع الله، فتضيفه إلى ما يحركه لطاعة الله، لأن الإنسان يحب أن يقتفى أثر آبائه، وإن لم يكن بذلك محموداً، فكيف إذا كان محموداً ؟ ألا ترى :) بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا (، ( بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا (، وفي قوله :) مَعِىَ بَنِى إِسْراءيلَ ( دليل على أن من انتمى إلى شخص، ولو بوسائط كثيرة، يطلق عليه أنه ابنه، وعليه ) تَتَّقُونَ وَإِذْ أَخَذَ ( ويسمى ذلك أباً. قال تعالى :) مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ (، وفي إضافتهم إلى إسرائيل تشريف لهم بذكر نسبتهم لهذا الأصل الطيب، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. ونقل عن أبي الفرج بن الجوزي : أنه ليس لأحد من الأنبياء غير نبينا محمد ( ﷺ ) ) إسمان إلا يعقوب، فإنه يعقوب، وهو إسرائيل. ونقل الجوهري في صحاحة : أن المسيح اسم علم لعيسى، لا اشتقاق له. وذكر البيهقي عن الخليل بن أحمد خمسة من الأنبياء ذو واسمين : محمد وأحمد نبينا ( ﷺ ) )، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل.
والمراد بقوله :) خَالِدُونَ يَابَنِى إِسْراءيلَ اذْكُرُواْ ( من كان بحضرة رسول الله ( ﷺ ) ) بالمدينة، وما والاها من بني إسرائيل، أو من أسلم من اليهود وآمن بالنبي ( ﷺ ) )، أو أسلاف بني إسرائيل وقدماؤهم، أقوال ثلاثة : والأقرب الأول، لأن من مات من أسلافهم لا يقال له :) وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ (، إلا على ضرب بعيد من التأويل، ولأن من آمن منهم لا يقال له :) وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ (، إلا بمجاز بعيد. ويحتمل قوله : اذكروا الذكر باللسان والذكر بالقلب : فعلى الأول يكون المعنى : أمرّوا النعم على ألسنتكم ولا تغفلوا عنها، فإن إمرارها على اللسان ومدارستها سبب في أن لا تنسى. وعلى الثاني يكون المعنى : تنبهوا للنعم ولا تغفلوا عن شكرها. وفي النعمة المأمور بشكرها أو بحفظها أقوال : ما استودعوا من التوراة التي فيها صفة رسول الله ( ﷺ ) )، أو ما أنعم به على أسلافهم من إنجائهم من آل فرعون وإهلاك عدوهم وإيتائهم التوراة ونحو ذلك، قاله الحسن والزجاج، أو إدراكهم مدة النبي ( ﷺ ) )، أو علم التوراة، أو جميع النعم على جميع خلقه وعلى سلفهم وخلفهم في جميع الأوقات على تصاريف الأحوال. وأظهر هذه الأقوال ما اختص به بنو إسرائيل من النعم لظاهر قوله :) الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (، ونعم الله على بني إسرائيل كثيرة، استنقذهم من بلاء فرعون وقومه، وجعلهم أنبياء وملوكاً، وأنزل عليهم الكتب المعظمة، وظلل عليهم في التيه الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى. قال ابن عباس : أعطاهم عموداً من النور ليضء لهم بالليل، وكانت رؤوسهم لا تتشعث، وثيابهم لا تبلى. وإنما ذكروا بهذه النعم لأن في جملتها ما شهد بنبوة محمد ( ﷺ ) )، وهو : التوراة والإنجيل