" صفحة رقم ٥١٧ "
المضاف إليه معرفة محذوف. فلذلك بنيت قبل على الضم، والتقدير : من قبل سؤالكم، وهذا توكيد، لأنه قد علم أن سؤال بني إسرائيل موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، متقدّم على سؤال هؤلاء رسول الله ( ﷺ ) )، وسؤال قوم موسى عليه السلام هو قولهم :) أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً (، ( اجْعَلْ لَّنَا إِلَاهًا ). فأراد تعالى أن يوبخهم على تعلق إرادتهم بسؤال رسول الله ( ﷺ ) )، وأن يقترحوا عليه، إذ هم يكفيهم ما أنزل إليهم. وشبه سؤالهم بسؤال ما اقترحه آباء اليهود من الأشياء التي مصيرها إلى الوبال. وظاهر الآية يدل على أن السؤال لم يقع منهم. ألا ترى أنه قال :) أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ ( ؟ فوبخهم على تعلق إرادتهم بالسؤال، إذ لو كان السؤال قد وقع، لكان التوبيخ عليه، لا على إرادته، وكان يكون اللفظ : أتسألون رسولكم ؟ أو ما أشبه ذلك مما يؤدّي معنى وقوع السؤال، لكن تظافرت نقولهم في سبب نزول هذه الآية، وإن اختلفوا في التعيين على أن السؤال قد وقع.
( وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ ( ؟ تقدّم الكلام في التبديل، أي : من يأخذ الكفر بدل الإيمان ؟ وهذه كناية عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر، كما جاء في قوله :) اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ). وفسر الزمخشري هذا بأن قال : ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها. وقال أبو العالية : الكفر هنا : الشدة، والإيمان : الرخاء. وهذا فيه ضعف، إلا أن يريد أنهما مستعاران في الشدة على نفسه والرخاء لها عن العذاب والنعيم. وأما المعروف من شدة أمور الدنيا ورخائها، فلا تفسر الآية بذلك، والظاهر حمل الكفر والإيمان على حقيقتهما الشرعية، لأن من سأل الرسول ما سأل مع ظهور المعجزات ووضوح الدلائل على صدقه، كان سؤاله تعنتاً وإنكاراً، وذلك كفر..
( فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ( : هذا جواب الشرط، وقد تقدم الكلام على الضلال في قوله :) وَلاَ الضَّالّينَ (، وعلى سواء في قوله :) سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ (، وأن سواء يكون بمعنى مستو. ولذلك يتحمل الضمير في قولهم : مررت برجل سواء هو والعدم، ويوصف به :) تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (، ويفسر بمعنى العدل والنصفة، لأن ذلك مستو، وقال زهير : أرونا خطة لا عيب فيها
يسوى بيننا فيها السواء
ويفسر بمعنى الوسط. قال تعالى :) فَاطَّلَعَ فَرَءاهُ فِى سَوَاء (، أي في وسطها. وقال عيسى بن عمر : كتبت حتى انقطع سواي، وقال حسان : يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
وبذلك فسر السواء في الآية أبو عبيدة، وفسره الفراء بالقصد. ولما كانت الشريعة توصل سالكها إلى رضوان الله تعالى، كنى عنها بالسبيل، وجعل من حاد عنها : كالضال عن الطريق، وكنى عن سؤالهم نبيهم ما ليس لهم أن يسألوه بتبدل الكفر بالإيمان، وأخرج ذلك في صورة شرطية، وصورة الشرط لم تقع بعد تنفيراً عن ذلك، وتبعيداً منه. فوبخهم أولاً على تعلق إرادتهم بسؤال ما ليس لهم سؤاله، وخاطبهم بذلك، ثم أدرجهم في عموم الجملة الشرطية. وإن مثل هذا ينبغي أن لا يقع، لأنه ضلال عن المنهج القويم، فصار صدر الآية إنكاراً وتوبيخاً، وعجزها تكفيراً وضلالاً. وما أدى إلى هذا فينبغي أن لا يتعلق به غرض ولا طلب ولا إرادة. وإدغام الدال في الضاد من الإدغام الجائز. وقد قرىء :) فَقَدْ ضَلَّ (، بالإدغام وبالإظهار في السبعة.
البقرة :( ١٠٩ ) ود كثير من.....
( وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ( : المعنبّ بكثير : كعب بن الأشرف، أو حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر، أو نفر من اليهود حاولوا المسلمين بعد وقعة أحد أن يرجعوا إلى دينهم، أو فنحاص بن