" صفحة رقم ٥٢٢ "
عند هو العامل في له، أي فأجره مستقر له عند ربه، ولما أحال أجره على الله أضاف الظرف إلى لفظه ربه، أي الناظر في مصالحة ومربيه ومدبر أحواله، ليكون ذلك أطمع له، فلذلك أتى بصفة الرب، ولم يأت بالضمير العائد على الله في الجملة قبله، ولا بالظاهر بلفظ الله. فلم يأت فله أجره عنده، لما ذكرناه، ولقلق الإتيان بهذه الضمائر، ولم يأت فله أجره عند الله، لما ذكرنا من المعنى الذي دل عليه لفظ الرب. ) وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( : جمع الضمير في قوله :) عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( حملاً على معنى من، وحمل أوّلاً على اللفظ في قوله :) مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ (، وهذا هو الأفصح، وهو أن يبدأ أولاً بالحمل على اللفظ، ثم بالحمل على المعنى. وقد تقدم تفسير هذه الجملة. وقراءة ابن محيصن : فلا خوف، برفع الفاء من غير تنوين، باختلاف عنه. وقراءة الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب وغيرهم : فلا خوف، بالفتح من غير تنوين، وتوجيه ذلك، فأغنى عن إعادته هنا.
البقرة :( ١١٣ ) وقالت اليهود ليست.....
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَىْء وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْء (، قيل : المراد عامة اليهود وعامة النصارى، فهذا من الإخبار عن الأمم السالفة، وتكون أل للجنس، ويكون في ذلك تقريع لمن بحضرة رسول الله ( ﷺ ) ) من الفريقين، وتسلية له ( ﷺ ) )، إذ كذبوا بالرسل وبالكتب قبله. وقيل : المراد يهود المدينة ونصارى نجران، حيث تماروا عند الرسول وتسابوا، وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوّة عيسى، وأنكرت النصارى التوراة ونبوّة موسى. فتكون حكاية حال، وأل للعهد، أو المراد بذلك رجلان : رجل من اليهود، يقال له نافع بن حرملة، قال لنصارى نجران : لستم على شيء، وقال رجل من نصارى نجران لليهود : لستم على شيء، فيكون قد نسب ذلك للجميع، حيث وقع من بعضهم، كما يقال : قتل بنو تميم فلاناً، وإنما قتله واحد منهم، وذلك على سبيل المجاز والتوسع، ونسبة الحكم الصادر من الواحد إلى الجمع. وهو طريق معروف عند العرب في كلامها، نثرها ونظمها. ولما جمعهم في المقالة الأولى، وهي :) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى (، فصلهم في هذه الآية، وبين قولكل فريق في الآخر. وعلى شيء : في موضع خبر ليس، ويحتمل أن يكون المعنى : على شيء يعتد به في الدين، فيكون من باب حذف الصفة، نظير قوله :
لقد وقعت على لحم
أي لحم منيع، وأنه ليس من أهلك، أي من أهلك الناجين، لأنه معلوم أن كلاً منهم على شيء، أو يكون ذلك نفياً على سبيل المبالغة العظيمة، إذ جعل ما هما عليه، وإن كان شيا كلا شيء. هذا والشيء يطلق عند بعضهم على المعدوم والمستحيل، فإذا نفى إطلاق اسم الشيء على ما هم عليه، كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد به، وصار كقولهم أقل من لا شيء.
( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ( : جملة حالية، أي وهم عالمون بما في كتبهم، تالون له. وهذا نعي عليهم في مقالتهم تلك، إذ الكتاب ناطق بخلاف ما يقولونه، شاهدة توراتهم ببشارة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصحة نبوّتهما. وإنجيلهم شاهد بصحة نبوة موسى ومحمد ( ﷺ ) )، إذ كتب الله يصدق بعضها بعضاً. وفي هذا تنبيه لأمّة محمد ( ﷺ ) ) في أن من كان عالماً بالقرآن، يكون واقفاً عنده، عاملاً بما فيه، قائلاً بما تضمنه، لا أن يخالف قوله ما هو شاهد على مخالفته منه، فيكون في ذلك كاليهود والنصارى. والكتاب هنا قيل : هو التوراة والإنجيل. وقيل : التوراة، لأن النصارى تمتثلها.
( كَذالِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ( : الذين لا يعلمون : هم مشركو العرب في قول الجمهور. وقيل : مشركو قريش. وقال عطاء : هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى. وقال قوم : المراد اليهود، وكأنه أعيد قولهم : أي قال اليهود مثل قول النصارى، ونفى عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فجعلوا لا يعلمون. والظاهر القول


الصفحة التالية
Icon