" صفحة رقم ٣٩١ "
وليست لالتقائ الساكنين. إنتهى هذا السؤال وجوابه. وفي سؤاله تعمية في قوله : فإن قلت : إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين ؟ ويعني بالساكنين : الياء والميم في ميم، وحيئذ يجيء التعليل بقوله : لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين، يعني الياء والميم، ثم قال : فإن جاء بساكن ثالث، يعني لام التعريف، لم يمكن إلاَّ التحريك، يعني في الميم، فحركوا يعني : الميم لالتقائها ساكنة مع لام التعريف، إذ لو لم يحركوا لاجتمع ثلاث سواكن، وهو لا يمكن. هذا شرح السؤال.
وأما جواب الزمخشري عن سؤاله، فلا يطابق، لأنه استدل على أن الحركة ليست لملاقاة ساكن بامكانية الجمع بين ساكنين في قولهم : واحد اثنان، بأن يسكنوا الدال، والثاء ساكنة، وتسقط الهمزة. فعدلوا عن هذا الإمكان إلى نقل حركة الهمزة إلى الدال، وهذه مكابرة في المحسوس، لا يمكن ذلك أصلاً، ولا هو في قدرة البشر أن يجمعوا في النطق بين سكون الدال وسكون الثاء، وطرح الهمزة.
وأما قوله : فجمعوا بين ساكنين، فلا يمكن الجمع كما قلناه، وأما قوله : كما قالوا : أصيم ومديق، فهذا ممكن كما هو في : راد وضال، لأن في ذلك التقاء الساكنين على حدّهما المشروط في النحو، فأمكن النطق به، وليس مثل : واحد اثنان. لأن الساكن الأول ليس حرف علة، ولا الثاء في مدغم، فلا يمكن الجمع بينهما.
وأما قوله : فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير، وليست لالتقاء الساكنين، لما بني على أن الجمع بين الساكنين في واحد اثنان ممكن، وحركة ا التقاء الساكنين إنما هي لا يمكن أن يجتمعا فيه في اللفظ، ادّعى أن حركة الدال هي حركة الهمزة الساقطة لالتقاء الساكنين، وقد ذكرنا عدم إمكان ذلك، فإن صح كسر الدال، كما نقل هذا الرجل، فتكون حركتها لالتقاء الساكنين لا لنقل، وقد ردّ قول الفراء، واختيار الزمخشري إياه بأن قيل : لا يجوز أن تكون حركة الميم حركة الهمزة ألقيت عليها، لما في ذلك من الفساد والتدافع، وذلك أن سكون آخر ميم إنما هو على نية الوقف عليها، والقاء حركة الهمزة عليها إنما هو على نية الوصل، ونية الوصل توجب حذف الهمزة، ونية الوقف على ما قبلها توجب ثباتها وقطعها، وهذا متناقض. إنتهى. وهو ردّ صحيح.
والذي تحرر في هذه الكلمات : أن العرب متى سردت أسماء مسكنة الآخر وصلاً ووقفاً، فلوا التقى آخر مسكن منها، بساكن آخر، حرك لالتقاء الساكنين. فهذه الحركة التي في ميم : ألم الله، هي حركة التقاء الساكنين.
والكلام على تفسير :) الم (، تقدم في أول البقرة، واختلاف الناس في ذلك الاختلاف المنتشر الذي لا يوقف منه على شيء يعتمد عليه في تفسيره وتفسير أمثاله من الحروف المقطعة.
والكلام على :) اللَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ( تقدم في آية ) وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ واحِدٌ لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ اللَّهِ ( وفي أول آية الكرسي، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وذكر ابن عطية عن القاضي الجرجاني أنه ذهب في النظم إلى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون ) الم ( إشارة إلى حروف المعجم، كأنه يقول : هذه الحروف كتابك، أو نحو هذا.
( اللَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ( على ما ترك ذكره، مما هو خبر عن الحروف، قال : وذلك في نظمه مثل قوله :) أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ ( ترك الجواب لدلالة قوله ) فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ ( عليه، تقديره : كمن قسا قبله ومنه قول الشاعر : فلا تدفنوني، إن دفني محرم
عليكم، ولكن خامري أم عامر
أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها : خامري أم عامر.
قال ابن عطية : يحسن في هذا القول أن يكون نزل خبر قوله : الله، حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى الذي ذكره الجرجاني،


الصفحة التالية
Icon