" صفحة رقم ٤٠٥ "
الكلام على ذلك إن شاء الله.
وقرأ أبو عبد الرحمن : لن يغني، بالياء على تذكير العلامة. وقرأ علي : لن يغني، بسكون الياء. وقرأ الحسن : لن يغني بالياء أولاً وبالياء منالساكنة آخراً، وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع. وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة، وينبغي أن لا يخص بها، إذ كثر ذلك في كلامهم.
و : من، لابتداء الغاية عند اعبد، وبمعنى : عند، قاله أبو عبيدة، وجعله كقوله تعالى :) الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ ( قال : معناه عند جوع وعند خوف، وكون : من، بمعنى : عند، ضعيف جداً.
وقال الزمشخري : قوله : من الله، مثله في قوله :) إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئًا ( والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله، أو من طاعة الله شيئاً، أي : بدل رحمته وطاعته، وبدل الحق. ومنه : ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد أي : لا ينفعه جدّه وحظه من الدنيا بذلك، أي : بدل طاعتك وعبادتك. وما عندك. وفي معناه قوله تعالى :) وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ( إنتهى كلامه.
وإثبات البدلية : لمن، فيه خلاف أصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي بمعنى البدل. واستدل بقوله تعالى :) ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ ( ) لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً ( أي : بدل الآخرة وبدلكم. وقال الشاعر : أخذوا المخاض من الفصيل غلبة
ظلماً ويكتب للأمير إفيلا
أي بدل الفصيل، وشيئاً ينتصب على أنه مصدر، كما تقول ضربت شيئاً من الضرب، ويحتمل أن ينتصب على المفعول به، لأن معنى : لن تغني، لن تدفع أو تمنع، فعلى هذا يجوز أن يكون : من، في موضع الحال من شيئاً، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لها، فلما تقدّم انتصب على الحال. وتكون : من إذ ذاك للتبعيض.
فتلخص في : من، أربعة أقوال : ابتداء الغاية، وهو قول المبرد، والكلبي. و : كونها بمعنى : عند، وهو قول أبي عبيدة. و : البدلية، وهو قول الزمخشري، و : التبعيض، وهو الذي قررناه.
( وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ( لما قدم : إن الذين كفروا لن تغني عنهم كثرة أموالهم، ولا تناصر أولادهم، أخبر بمآلهم. وأن غاية من كفر، ومنتهى من كذب بآيات الله النار، فاحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على خبر : إن، واحتمل أن تكونه مستأنفة عطفت على الجملة الأولى، وأشار : بأولئك، إلى بعدهم. وأتى بلفظ : هم، المشعرة بالاختصاص، وجعلهم نفس الوقود مبالغة في الاحتراق، كأن النار ليس لها ما يضرمها إلا هم، وتقدّم الكلام في الوقود في قوله :) وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ).
وقرأ الحسن، ومجاهد، وغيرهما : وقود، بضم الواو، وهو مصدر : وقدت النار تقد وقوداً، ويكون على حذف مضاف، أي : أهل وقود النار، أو : حطب وقود، أو جعلهم نفس الوقود مبالغة، كما تقول : زيد رضا.
وقد قيل في المصدر أيضاً : وقود، بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو، وتقدّم ذكر ذلك، و :


الصفحة التالية
Icon