" صفحة رقم ٤١١ "
وقيل : ذكر لأن معنى الآية البيان، فهو كما قال : برهرهة رودة رخصة
كخرعوبة البانة المنفطر
ذهب إلى القضيب، وفي قوله ) فِي فِئَتَيْنِ ( محذوف تقديره في : قصة فئتين، ومعنى : التقتا، أي للحرب والقتال.
( فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ( أي : فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبتت مقابله في الثانية، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى، فذكر في الأولى لازم الإيمان، وهو القتال في سبيل الله. وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان، وهو الكفر.
والجمهورُ برفع : فئة، على القطع، التقدير : إحداهما، فيكون : فئة، على هذا خبر مبتدأ محذوف، أو التقدير : منهما، فيكون مبتدأ محذوف الخبر.
وقيل : الرفع على البدل من الضمير في التقتا.
وقرأ مجاهد، والحسن، والزهري وحميد : فئةٍ، بالجر على البدل التفصيلي، وهو بدل كل من كل، كما قال : وكنت كذي رجلينٍ رجل صحيحة
ورجل رمي فيها الزمان فشُلَّتِ
ومنهم من رفع : كافرة، ومنهم من خفضها على العطف، فعلى هذه القراءة تكون : فئة، الأولى بدل بعض من كل، فيحتاج إلى تقدير ضمير أي : فئة منهما تقاتل في سبيل الله، وترتفع أخرى على وجهي القطع إما على الإبتداء وإما على الخبر.
وقرأ ابن السميفع، وابن أبي عبلة : فئة، بالنصب. قالوا : على المدح، وتمام هذا القول : إنه انتصب الأول على المدح، والثاني على الذم، كأنه قيل : أمدح فئة تقاتل في سبيل الله، وأذم أخرى كافرة.
وقال الزمخشري : النصب في : فئة، على الاختصاص وليس بجيد، لأن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهماً، وأجاز هو، وغيره قبله كالزجاج : أن ينتصب على الحال من الضمير في : التقتا، وذكر : فئة، على سبيل التوطئة.
وقرأ الجمهور : تقاتل، بالتاء على تأنيث الفئة، وقرأ مجاهد، ومقاتل : يقاتل بالياء على التذكير، قالوا : لأن معنى الفئة القوم فرد إليه، وجرى على لفظه.
( يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ ( قرأ نافع، ويعقوب، وسهل، ترونهم، بالتاء على الخطاب وقرأ باقي السبعة بالياء على الغيبة وقرأ ابن عباس، وطلحة : ترونهم بضم التاء على الخطاب وقرأ السلمي بضم الياء على الغيبة، فأما من قرأ بالتاء المفتوحة فهو جار على ما قبله من الخطاب، فيكون الضمير في : لكم، للمؤمنين، والضمير المرفوع في : ترونهم، للمؤمنين أيضاً. وضمير النصب في : ترونهم، وضمير الجر في : مثليهم، عائد على الكافرين، والتقدير : ترون أيها المؤمنون الكافرين مثلي أنفسهم في العدد، فيكون ذلك أبلغ في الآية، أنهم رأوا الكفار في مثلي عددهم، ومع ذلك نصرهم الله عليهم، وأوقع المسلمون بهم. وهذه حقيقة التأييد بالنصر، كقوله تعالى ) كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ( واستبعد هذا المعنى لأنهم جعلوا هذه الآية، وآية الأنفال، قصة واحدة، وهناك نص على أنه تعالى قلل المشركين في أعين المؤمنين، فلا يجامع هذا التكثير في هذه الآية على هذا التأويل، ويحتمل على من قرأ بتاء الخطاب أن يكون الخطاب للمؤمنين، والضمير المنصوب في : ترونهم للكافرين والمجرور للمؤمنين. والتقدير : ترون أيها المؤمنون الكافرين مثلي المؤمنين، واستبعد هذا إذ كان التركيب يقتضي أن يكون : ترونهم مثليكم.
وأجيب بأنه من الالتفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة، كقوله تعالى :) حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ ( ويحتمل أن يعود الضمير في : مثليهم، على الفئة المقاتلة في سبيل الله، أي : ترون أيها المؤمنون الفئة الكافرة مثلي الفئة المقاتلة في سبيل الله وهم أنفسهم. والمعنى : ترونهم مثليكم، وهذا تقليل، إذا كانوا نيفاً على ألف، والمسلمون في تقدير ثلث.