" صفحة رقم ٤١٨ "
َ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالاْسْحَارِ ( لما ذكر الإيمان بالقول، أخبر بالوصف الدّال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف، فصبروا على أداء الطاعة، وعن اجتناب المحارم، ثم بالوصف الدال على مطابقة الإعتقاد في القلب للفظ الناطق به اللسان، فهم صادقون فيما أخبروا به من قولهم :) رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا ( وفي جميع ما يخبرون.
وقيل : هم الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم في السر والعلانية، وهذا راجع للقول الذي قبله، ثم بوصف القنوت، وتقدم تفسيره في قوله :) كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ( فأغنى عن إعادته، ثم بوصف الإنفاق، لأن ما تقدم هو من الأوصاف التي نفعها مقتصر على المتصف بها لا يتعدى، فأبى في هذا بالوصف المتعدي إلى غيره، وهو الإنفاق، وحذفت متعلقات هذه الأوصاف للعلم بها، فالمعنى : الصابرين على تكاليف ربهم، والصادقين في أقوالهم، والقانتين لربهم، والمنفقين أموالهم في طاعته، والمستغفرين الله لذنوبهم في الأسحار ولما ذكر أنهم رتبوا طلب المغفرة على الإيمان الذي هو أصل التقوى، أخبر أيضاً عنهم، أنهم عند اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة، هم مستغفرون بالأسحار، فليسوا يرون اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة مما يسقط عنهم طلب المغفرة، وخص السحر بالذكر، وإن كانوا مستغفرين دائماً، لأنه مظنة الإجابة، كما صح في الحديث :( أنه تعالى، تنزه عن سمات الحدوث، ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ). وكانت الصحابة : ابن مسعود، وابن عمر، وغيرهم يتحرون الأسحار ليستغفروا فيها، وكان السحر مستحباً فيه الإستغفار لأن العبادة فيه أشق، ألا تراهم يقولون : إن إغفاءة الفجر من ألذ النوم ؟ ولأن النفس تكون إذ ذاك أصفى، والبدن أقل تعباً، والذهني أرق وأحد، إذ قد أجم عن الأشياء الشاقة الجسمانية والقلبية بسكون بدنه، وترك فكرة بانغماره في وارد النوم.
وقال الزمخشري : إنهم كانوا يقدمون قيام الليل، فيحسن طلب الحاجة فيه ) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( إنتهى. ومعناه، عن الحسن وهذه الأوصاف الخمسة هي لموصوف واحد وهم : المؤمنون، وعطفت بالواو ولم تتبع دون عطف لتباين كل صفة من صفة، إذ ليست في معنى واحد، فينزل تغاير الصفات وتباينها منزلة تغاير الذوات فعطفت.
وقال الزمخشري : والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها. إنتهى ولا نعلم العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال.
قال المفسرون في الصابرين : صبروا عن المعاصي. وقيل : ثبتوا على العهد الأول. وقيل : هم الصائمون.
قالوا في الصادقين : في الأقوال. وقيل : في القول والفعل والنية. وقيل : في السر والعلانية.
قالوا في القانتين : الحافظين للغيب. وقال الزجاج : القائمين على العبادة. وقيل : القائمين بالحق. وقيل : الداعين المتضرعين. وقيل : الخاشعين. وقيل : المصلين.
وقالوا في المنفقين : المخرجين المال على وجه مشروع. وقيل : في الجهاد. وقيل : في جميع أنواع البر. وقال ابن قتيبة : في الصدقات.
قالوا في المستغفرين السائلين قاله ابن عباس وقال ابن مسعود وان عمر وأنس وقتادة


الصفحة التالية
Icon